عند وصوله لمطار بيروت، جورج عبدالله يُعبر عن التزامه بـ”المقاومة” من أجل فلسطين بعد قضاء أربعين عاماً في سجون فرنسا.

بيروت (لبنان) ـ (أ ف ب) – أكد الناشط اللبناني المؤيد للفلسطينيين جورج إبراهيم عبدالله الذي أدين بالتواطؤ في اغتيال دبلوماسيَين أميركي وإسرائيلي في ثمانينات القرن الماضي، تمسكه بالمقاومة من أجل فلسطين، في أول تصريح فور وصوله الى مطار بيروت آتيا من فرنسا.
وأمضى عبدالله، المدرّس السابق البالغ 74 سنة، أربعين عاما في سجون فرنسا التي حكمت عليه بالسجن مدى الحياة. وكان مؤهلا للإفراج المشروط منذ 25 عاما، لكن 12 طلبا لإطلاق سراحه رُفضت كلها.
محاطا بعدد من أفراد عائلته والناشطين في الحملة التي طالبت بإطلاق سراحه، قال عبدالله الذي وضع وشاحا بألوان الكوفية الفلسطينية لصحافيين في قاعة الشرف في المطار “المقاومة (من أجل فلسطين) يجب أن تستمر وتتصاعد، وتكون بمستوى الهياكل العظمية لأطفال” غزة.
وانتقد كيف أن “ملايين العرب يتفرجون” بينما “أطفال فلسطين يموتون جوعا”، مضيفا “هذا معيب للتاريخ وبحق الجماهير العربية أكثر من الأنظمة التي نعرفها”.
واعتبر عبدالله، بينما وقف الى جانبه النائبان عن حزب الله ابراهيم الموسوي وحركة أمل قبلان قبلان، “انتصرت مواجهة العدو والاستمرار في مواجهة العدو الى الأبد حتى دحره”، معتبرا ان “اسرائيل تعيش آخر فصول وجودها”.
هبطت الطائرة التابعة لخطوط شركة “اير فرانس” التي اقلت عبدالله عند الثانية والنصف بعد الظهر (11,30 ت غ) في مطار رفيق الحريري الدولي، بعد اقلاعها صباحا من مطار رواسي.
ولم يصدر أي تعليق من السلطات اللبنانية بعد.
وتجمع العشرات أمام قاعة الوصول في المطار، وفق ما شاهد مصور لفرانس برس، رفع بعضهم العلم الفلسطيني وآخرون رايات الحزب الشيوعي والحزب السوري القومي الاجتماعي، قبل أن يبعدهم الجيش اللبناني، انطلاقا من منع المظاهر الحزبية في المطار.
وقالت المدرّسة سهام أنطون (56 عاما) التي كانت في عداد أول الوافدين الى المطار لفرانس برس “تحول جورج عبدالله الى رمز وملهم لنا جميعا.. رغم كل الظلم والأسر الذي عانى منه”.
على بعد أمتار، استذكر الناشط عبد طباع (75 عاما) سنوات النضال المشتركة مع عبدالله. وقال بفخر “جورج عبدالله أثبت للعالم كله وللفرنسيين أنه لا يركع”.
وكان من المقرر الإفراج عن عبدالله السبت، لكن جرى اطلاق سراحه الجمعة، بعدما أصدرت محكمة الاستئناف في باريس الأسبوع الماضي قرارها بالإفراج عنه، شرط أن يغادر فرنسا وألا يعود إليها.
وأفاد فريق وكالة فرانس برس أن موكبا من ست مركبات من بينها حافلتان صغيرتان انطلق عند الساعة 03,40 (01,30 ت غ) من سجن لانميزان في مقاطعة أوت-بيرينه في جنوب غرب فرنسا.
وحُكم على عبدالله، المدرّس السابق البالغ 74 عاما، بالسجن مدى الحياة عام 1987 بتهمة الضلوع في اغتيال دبلوماسي أميركي وآخر إسرائيلي عام 1982. وكان مؤهلا للإفراج المشروط منذ 25 عاما، لكن 12 طلبا لإطلاق سراحه رُفضت كلها.
– “دينامية للنضال” –
وقال القائم بالأعمال في سفارة لبنان في باريس زياد تيان الذي التقى عبدالله في مطار رواسي قبيل مغادرته “بدا في صحة جيدة وسعيدا جدا بالعودة إلى لبنان وإلى عائلته وباستعادة حريته بعد أكثر من 40 عاما”.
والتقت وكالة فرانس برس عبدالله يوم صدور قرار الإفراج عنه في 17 تموز/يوليو في زنزانته برفقة النائبة عن اليسار الراديكالي أندريه تورينيا. وقال الرجل الذي غزا الشيب لحيته الكثة حينها “أربعة عقود هي فترة طويلة لكن لا تشعر بها متى كانت هناك دينامية للنضال”.
وجاء إطلاق سراحه الجمعة بعدما أعلنت النيابة العامة في باريس الإثنين التقدّم بطعن أمام محكمة التمييز في قرار محكمة الاستئناف. لكن الطعن الذي يستغرق البتّ به أسابيع عدة، لا يعلق تنفيذ الحكم أو يعيق عودة عبدالله إلى لبنان.
وقال محاميه جان-لوي شالانسيه الذي التقاه للمرة الأخيرة في السجن الخميس “بدا سعيدا جدا بالافراج الوشيك عنه مع أنه يدرك أنه يعود إلى منطقة شرق أوسط عصيبة جدا للبنانيين والفلسطينيين”.
في الأيام الأخيرة، عمد عبدالله إلى إفراغ زنزانته المزينة بعلم أحمر يحمل صورة تشي غيفارا وفيها الكثير من الصحف والكتب التي سلمها إلى لجنة الدعم الخاصة به. وأعطى غالبية ملابسه إلى سجناء معه وخرج “بحقيبة صغيرة”، وفق محاميه.
ومن بيروت، توجه عبدالله إلى مسقط رأسه في بلدة القبيات (شمال)، حيث سينظّم له استقبال شعبي ورسمي.
– “رمز من الماضي” –
واعتبر قضاة محكمة الاستئناف أن مدة احتجاز عبدالله “غير متناسبة” مع الجرائم المرتكبة ومع سنّه.
وجاء في الحكم أن عبدالله بات “رمزا من الماضي للنضال الفلسطيني”، مشيرا إلى أن المجموعة الصغيرة التي تزعمها وضمت ماركسيين وناشطين مؤيدين للفلسطينيين، باتت منحلّة “ولم ترتكب أي أعمال عنف منذ 1984”.
أصيب جورج عبدالله أثناء الاجتياح الإسرائيلي لجنوب لبنان في العام 1978، وانضم إلى الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، الحركة اليسارية التي كان يتزعمها جورج حبش.
بعدها، أسس مع أفراد من عائلته الفصائل المسلحة الثورية اللبنانية، وهي تنظيم ماركسي مناهض للإمبريالية تبنى خمسة هجمات في أوروبا بين العامين 1981 و1982 في إطار نشاطه المؤيد للقضية الفلسطينية. وأوقعت أربعة من هذه الهجمات قتلى في فرنسا.
اعتُبر عبدالله لفترة طويلة مسؤولا عن موجة اعتداءات شهدتها باريس بين العامين 1985 و1986 وأوقعت 13 قتيلا.
حُكم عليه في العام 1986 في ليون بالسجن أربع سنوات بتهمة التآمر الإجرامي وحيازة أسلحة ومتفجرات، وحوكم في العام التالي أمام محكمة الجنايات الخاصة في باريس بتهمة التواطؤ في اغتيال الدبلوماسيين الأميركي تشارلز راي والإسرائيلي ياكوف بارسيمينتوف عام 1982، ومحاولة اغتيال ثالث عام 1984.
وبعد شهرين من الحكم على عبدالله بالسجن مدى الحياة، تم التعرف على المسؤولين الحقيقيين عن هذه الاعتداءات وهم على ارتباط بإيران.
ولم يُقرّ عبدالله بضلوعه في عمليتي الاغتيال اللتين صنفهما في خانة أعمال “المقاومة” ضد “الاضطهاد الإسرائيلي والأميركي” في سياق الحرب الأهلية اللبنانية (1975-1990) والغزو الإسرائيلي لجنوب لبنان عام 1978.
وباستثناء عدد ضئيل من المؤيدين الذين واصلوا التظاهر كل سنة أمام سجن عبدالله وبضعة برلمانيين يساريين، بات المعتقل منسيا على مر السنين بعدما كان في الثمانينات العدو الأول لفرنسا وأحد أشهر سجنائها.