لبنان: رسائل بارّاك… تلاعب، deception، ومسار معقد!

أمين مصطفى
لم يقدّم المندوب الأمريكي، توماس باراك، أجوبة شافية، أو مقنعة، لكل المسؤولين والشخصيات السياسية والروحية والحزبية اللبنانية التي التقاها، خلال جولة محادثاته الثالثة في لبنان، حول الأسئلة والاستفسارات التي تشغل بالهم ، سواء على الصعيد الأمني، أو السياسي، أو الاقتصادي والمالي، إنما اقتصر دوره على حمل رسائل في مضمونها “اسرائيلية”، تتعلق بمصير سلاح المقاومة، وحصره بيد الدولة، وضرورة الإسراع في تنفيذ ذلك في مهلة زمنية قبل نهاية العام الجاري، وإلا فإن واشنطن يمكن أن تسحب يدها من موضوع الوساطة ، والتدخل في تهدئة الوضع على الجبهة اللبنانية .
اتسمت الحوارات واللقاءات التي أجراها باراك، سواء مع ترويكا الحكم ، أو خلف الأبواب المغلقة، أو مع “حلفاء”، (وهنا أقول حلفاء، تجنباً لاستخدام صفة العملاء )، أو كبار رجال الدين ، اتسمت في جانب منها بالتهويل والتهديد مع استخدام أسلوب الغطرسة ، والحدة أحياناً، وبعضها الآخر كان مغلفاً بدبلوماسية خادعة، تحمل في باطنها عكس ما تظهره في خارجها ، وهذا وصف ردده عدد من الذين حضروا جانباً من هذه اللقاءات.
المحادثات مع رئيسي الجمهورية، ورئيس الحكومة، جوزيف عون، ونواف سلام، استندت إلى صيغة التفاهم المبرمة لوقف إطلاق النار، وانسحاب اسرائيل من الأراضي المحتلة، والتزام الاحتلال بوقف الاعتداءات، والاغتيالات ، وهدم المنازل، وحصرية السلاح بيد الدولة، وتطبيق القرار الدولي ١٧٠١، لكن الحوار مع رئيس مجلس النواب، نبيه بري، حمل نكهة وجوهراً مختلفين ، لكونه منسقاً مع حزب الله، من جهة، ومشاركاً فعالاً في صياغة القرارات، وطباخاً ماهراً للحلول النهائية، وهذا ما اعترف به باراك، واصفاً لقاءه ببري ب “الممتاز”، لأنه يشكل وزناً سياسياً وشعبياً مميزاً، ودقة في متابعة تفاصيل ما يدور في المنطقة والعالم .
بري ركز على ضرورة تطبيق اتفاق وقف اطلاق النار، وتوقف اسرائيل عن استباحة لبنان طولاً ورضاً وفي العمق، وذلك تسهيلاً لحصر السلاح بيد الدولة.
المبعوث الأمريكي حاول أن يتملص من اتخاذ أي تعهد بحلحلة العقد الصعبة، مشيراً إلى أن ” الوضع الأمني مرهون بالمفاوضات” محذراً من أن يكون ” هناك إمكانية لتصعيد اسرائيلي وشيك في لبنان “، وهو عكس ما سبق وصرح به قبل ذلك بوقت قصير بأن ” لبنان لن يواجه حرباً اسرائيلية ثانية” ، وهذا يكشف حقيقة التناقض في الأقوال، ويستدعي المزيد من الحذر ، لأن محاولة التطمين في السياسة الأمريكية، يعني التخطيط لعمل عدواني جديد، والأمثلة أكثر من أن تحصى أو تعد في هذا المجال.
وفي إطار التحريض، دعا باراك جماعاته التي تنفذ التعليمات التي تكلف بها، إلى ” فعل أي شيء ” ، والسعي لنتيجة واحدة وهي ” السلام مع اسرائيل” ، زاعماً بأن ” اسرائيل دولة مسالمة وترغب في السلام “، وادعى أن حزب الله نثر الأرز والورد على الجيش الاسرائيلي في السبعينيات، عندما اجتاح لبنان، لكن أحد الصحافيين ذكّره بأن حزب الله لم يكن موجوداً في تلك الفترة، وولادته كانت في العام ١٩٨٢ ، ما سبب له إحراجاً.
مزاعم باراك إما أنها تدل عن خبث شديد، أو جهل شديد ، وفي كلا الحالتين هي محاولة لخداع مكشوف .
واعترف باراك خلال لقائه البطريرك الماروني، مار بشارة بطرس الراعي، أن ” الوقت حان للالتقاء معاً حول مسألة معقدة “، فقد أتيت إلى بيروت ” لتقديم النصح”، مؤكداً تفهمه للصعوبات والعقد ، والمطلوب ” الصبر ليستمر الحوار دون خسائر “. وأضاف :” نريد حلاً قابلاً للعيش لمدة طويلة، وليس مجرد هدنة “، لكنه لم يشر إلى طبيعة وأسس هذا الحل، ووفق مصلحة مَن .
ومن التصريحات اللافته لباراك، كانت الكشف عن أنه سيعود إلى لبنان لاستكمال الحوار في جولة رابعة ” ستشمل من ليسوا على الطاولة “، وسبق ذلك توضيح من حزب الله أشار إلى أن الحزب رفض لقاء باراك بناء على طلب الأخير، عكس ما حاول المندوب الأمريكي ترويجه كذباً وزوراً.
وقبل مغادرته مطار بيروت، رأى بارك أن ” مهلة السلاح إسرائيلية”، مردداً ” ظننت مزارع شبعا، مزرعة خيول أصيلة من كنتاكي “.
المقاومة في لبنان كانت متابعة لأدق تفاصيل اللقاءات والحوارات التي جرت، وكانت ملائكتها حاضرة في السر والعلن، سواء في القصور الثلاثة، أو في السفارة الأمريكية في بيروت، أو على موائد الغداء والعشاء التي أقيمت في هذه المناسبة ، وقد أكدت المقاومة على لسان عدد نوابها، أنها باتت على جهوزية تامة لمواجهة أي تحديات، وهي ستبقى متمسكة بسلاحها مهما كان حجم التضحيات ، دفاعاً عن لبنان، واستعادة الأرض المحتلة ، كما ستبقى وفيّة لشعب فلسطين وقضيته .
كاتب لبناني