منذر أبو حلتم: قصيدة الدم والدقيق

منذر ابو حلتم
جاعَتْ عروقُكِ يا غزّةْ… فاشتعلتْ
نيرانُ آهِكِ في أعماقِ منْ خذَلوا!
ماتَ الرضيعُ، ولم تهتز عاصمة
كأنَّ في قَلبِهمْ صخْرٌ قد انجَبلوا
أينَ العُروبةُ؟ تُجّارٌ، وأسئلَةٌ
في الصّمتِ يَبصِقُنا التاريخُ إن نَسلوا
تحاصرنا دباباتُ البغاث، وقد
سَدّوا المنافذَ… لا موتٌ ولا أملُ
تحاصرنا مِنابرُكمْ وخُطْبَتُكم
تبكي على قُدسِكم… لكنْ ولا خجَلُ
يا سادتي، جُثَثُ الأطفالِ سائحةٌ
فوقَ الرصيفِ، وهذا الجوعُ مُكتَمِلُ
هذا نحيبُكِ يا غزّةْ… فاسمعوهُ دمًا
والجوعُ نارٌ، وإن صاموا، لهُ أسَلُ
أينَ العروبةُ؟ هل ضاعتْ عقيدتُهم؟
أم أنَّهم عندَ بواباتِها رحلوا؟
لا تنتظرْ مِن بقايا الذلِّ معجزةً
فالنصرُ تُنبتُهُ الأرواحُ إن بذلوا
يا قُدسُ يا دَمُنا المهدورُ قد قمنا
منكَ ابتدأنا، وفي عينيكِ نكتملُ
هذا الصّباحُ، تناولنا بقاياهمُ
دمعُ الطفولةِ فوقَ الكفِّ مُشتعلُ
سَدّوا المنافذَ… لا ماءٌ ولا قمح
حتى الهواءُ عن الأنفاسِ يرتحل
في الخبزِ نارٌ، وفي الأمعاءِ موعظةٌ
والجوعُ فينا نشيدٌ كلّهُ وجلُ
يا قدسُ، يا صرخةَ الأحشاءِ في زمنٍ
باعوا دماءَكِ والأقوالَ وارتجلوا
جُعتِ يا غزّةُ… والجُدرانُ مغلقة
والأرضُ تبكي، ونصلُ الموتِ يشتعِلُ
جُعتِ والدهر لن يَغفُرْ ملامحَنا
والفجرُ في شفَةِ الأحشاءِ يرتجِلُ
جُعتِ والطفلُ، ما في الكفِّ غيرَ دَمٍ
ولا وسادةَ… سوى أشباحِ من رحلوا
جُعتِ، والأمُّ لم تجزع على قَدَرٍ
لكنها بجراحِ الصبرِ تكتملُ
جُعتِ يا غزّةُ، لا زيتٌ ولا خبز
سوى كلام يتيهُ الحرفُ ما وصلوا
خانوا دِماءَكِ، لا خجلٌ يُناديهم
ولا عروبةُ أصل حينَ ترتحلُ
باعوا صُراخَكِ في أسواقِ مُفترسٍ
وغابَ عَينُ الذي إن قيلَ: “قد فعلوا!”
يا أمَّةَ الجبنِ، هل ظلَّتْ مروءتُكم
أشلاءَ نخوةِ ماضٍ ما له أملُ؟
جيشُ العدوِّ يُميتُ الخبزَ في يدِنا
لكنَّ موتَ ضميرِ القُربِ ينهمل
لا تسأليني عن الأبطالِ، أعرفُهم
مضوا لأجلِ لقمة أطفالهم قُتِلوا
لا تسأليني عن الأشرافِ، إنّهمُ
في صمتِهم… أوثقوا الأصفادَ وارتحلوا