الدكتور حسن مرهج: من ساحل سوريا إلى السويداء… أزمة وطنية وتحديات الإدارة الجديدة.

الدكتور حسن مرهج
التعامل مع السلطات السورية الجديدة التي تعتمد منطق القتل والتهجير في إدارة أزمة السويداء يحتاج إلى رؤية استراتيجية متعددة الأبعاد، لأن العنف والقمع كمنهج يعمّقان الجراح ويُعقّد الحلول.
تحليل الموقف:
⦁ العنف كأداة قمع:
السلطات تمارس القتل والاعتقال والتهجير كوسيلة لضبط الأوضاع بسرعة، ولكن هذه السياسة تزيد من الاحتقان وتغذي دوامة العنف. تجليات ذلك في السويداء، حيث استُخدم المنهج الأمني العسكري، مما أدى لسقوط عشرات القتلى ونزوح آلاف الأسر.
⦁ انعدام الثقة وتفسخ النسيج الاجتماعي:
هذا النهج يعمّق الخلاف بين مكونات المجتمع، خصوصًا بين الدروز والعشائر البدوية، ويزيد من غياب الأمان المدني، ما يهدد وحدة واستقرار المنطقة، ويفتت النسيج الاجتماعي.
⦁ التداعيات الإقليمية والدولية:
استمرار هذا الأسلوب يُفتح الباب لتدخلات خارجية، كما حصل مع الغارات الإسرائيلية التي مثّلت رداً على الفوضى، ما يزيد من تعقيد الملف الأمني والسياسي ويضع سوريا أمام أزمات جديدة.
كيفية التعامل المثلى:
الضغط الداخلي والخارجي لوقف العنف:
ضرورة حث المجتمع الدولي، الأمم المتحدة، ومنظمات حقوق الإنسان على الضغط لإيقاف الممارسات الوحشية، وفتح تحقيقات مستقلة في الانتهاكات، كما طالبت الأمم المتحدة.
المطالبة بحلول سياسية شاملة:
لا يمكن حل الأزمة أمنياً فقط، بل يجب الانطلاق نحو مؤتمر وطني يحقق المصالحة ويضم كل الأطراف، ويعيد بناء الثقة ويضمن العدالة والمساواة.
دعم الوساطات المحلية والعشائرية:
تعزيز دور وجهاء ومشايخ السويداء والدروز والبدو في التفاوض على وقف دائم للنار واحتواء النزاع بعيداً عن منطق القتل والتهجير.
معارضة الاستقواء بالعنف:
رفض الاستقواء على المواطنين بالقوة، والتأكيد على أن الاستقرار الحقيقي قادم عبر الحوار، لا عبر سياسات القمع والتفتيت.
في ما يتعلق بالساحل السوري والإنتهاكات التي حدثت ولا زالت، من قِبل الإدارة السورية الجديدة وفق أحدث المعلومات الحقوقية والتقارير الدولية يمكن تلخيص المشهد وفق الآتي:
أولاً- أنماط الانتهاكات ومداها:
⦁ منذ آذار 2025، شهد الساحل السوري (اللاذقية، طرطوس، وأجزاء من حماة) موجة عنف مروّع تمثلت بعمليات قتل جماعي وانتقام طائفي، نُفذت في عشرات القرى والمدن، وخاصة ذات الغالبية العلوية.
⦁ ارتُكبت انتهاكات جسيمة: القتل خارج القانون (إعدامات ميدانية)، تدمير ونهب آلاف المنازل، خطف وتهجير مئات العائلات، ودهم منازل على أساس الهوية الطائفية. أفاد ناجون أن المسلحين كانوا يسألون السكان عن طوائفهم قبل قتلهم أو العفو عنهم.
⦁ وثّقت وكالات أممية وحقوقية مقتل مئات المدنيين في أيام، فالمفوضية السامية أحصت 111 مدنيًا كحصيلة أولية لغاية 11 آذار، لكن التقديرات الأعلى تشير لمقتل نحو 1700 شخص أغلبيتهم من المدنيين. شبكات سورية وثقت 803 ضحية خارج القانون في الساحل وحده خلال عشرة أيام فقط.
ثانياً- أطراف وطرق التنفيذ:
⦁ التحقيقات الصحفية مثلاً رويترز وتمحيص المنظمات الحقوقية أشارت إلى تورّط مجموعات تابعة للإدارة الجديدة ضمن وزارة الدفاع، إضافة إلى فصائل مسلحة كـ”هيئة تحرير الشام”، “لواء السلطان سليمان شاه” و”فرقة الحمزة” بالقتل الانتقامي والجرائم المنظمة.
⦁ حسب الشهادات، جرى قَتْلُ عائلات بأكملها، وبعض الحالات ضمت أطفالاً ونساء، مع توثيق إعدامات ميدانية ونهب وتدمير الممتلكات الخاصة.
ثالثاً- حجم الضحايا والتأثير على المدنيين:
⦁ بعض التقارير تحدثت عن قتل وتهجير ما يقارب 1479 مدنيًا مع فقدان العشرات في 40 موقعًا. النسبة الأعلى من الضحايا سجلتها اللاذقية (22% من مجمل الضحايا)، تلتها طرطوس.
⦁ إضافة لضحايا التعذيب والكوادر الطبية والإعلامية الذين قتلوا خلال عمليات الاقتحام أو بسبب الألغام أو الإعدامات.
ربطاً بما سبق، فإن الانتهاكات لا جدال حولها ووُثِقَت بالأدلة والشهادات؛ لكن تقرير اللجنة الذي صدر مخالفاً لتوقعات السوريين وُصف بالانتقائي، إذ ركز على مجزرة واحدة وأسماء بعينها وتجاهل تعقيد المشهد وتعدد الفاعلين والتضحيات، مما عمّق أزمة الثقة بين الشارع السوري وأي حديث رسمي عن “العدالة” أو “المحاسبة”، الأمر الذي دفع بغالبية السوريين إلى المطالبة بتحقيق مستقل فعلي وغير مسيّس، وتوثيق عادل لكل الضحايا أيًا كان انتماؤهم أو مناطقهم.
حقيقة الأمر أنه ما يزال الانتهاك مستمراً في الساحل عبر موجات قتل وإعدامات وتهجير وانتقام طائفي بدرجة غير مسبوقة، مع غياب مقومات مساءلة فعالة وضعف واضح في آليات التحقيق الرسمية.
ختاماً. إن أي محاولة تعاطٍ مع السلطات القائمة في ما يتعلق بأزمة السويداء أو الساحل السوري لا بد أن تُنحى جانبًا منطق القتل والتهجير وتطالب بالحل السياسي العادل والتشاركي، مع ربط تنفيذ أي اتفاقات بإشراف دولي ومحلي يضمن حماية الحقوق ومحاسبة المسؤولين عن الانتهاكات، خاصةً أن استمرار اعتماد المنهج الأمني القمعي لن يعزز الاستقرار بل سيُعمّق الأزمات الاجتماعية والسياسية، وربما يؤدي إلى مزيد من التدخلات الخارجية وتفكيك النسيج السوري.
خبير الشؤون السورية والشرق أوسطية