حمد التميمي: أحداث السويداء تطرح مجددًا تساؤلات حول دور الدولة: أين وزارة الشؤون القبلية؟

حمد التميمي
في مشهد مؤلم أعاد ترتيب أولويات الدولة، تحولت محافظة السويداء خلال أيام قليلة إلى مركز مواجهة دامية بين مكونات عشائرية وطائفية، خلفت أكثر من 300 قتيل، وتورط فيها ما يزيد على خمسين ألف مقاتل من 41 قبيلة وعشيرة. هذا الحدث لم يكن مجرد اضطراب أمني عابر، بل كشف هشاشة البنية المؤسسية في سوريا الجديدة، وأسقط عن وزارة الداخلية قناع القدرة على احتواء الأزمات المجتمعية المعقدة، خصوصًا تلك التي تتجاوز الطابع الأمني إلى الهوية والانتماء التاريخي.
الحكومة التي يترأسها أحمد الشرع لم تُنشئ حتى الآن وزارة مختصة بالشأن القبلي، ما يُعد ثغرة استراتيجية قاتلة، خاصة في ظل تصاعد الأزمات العشائرية في عدة محافظات. وزارة الداخلية بصيغتها التقليدية أثبتت أنها غير مجهزة للتعامل مع التوترات المتراكمة، لا من حيث الرصد الاستباقي، ولا في إدارة التفاعل المجتمعي خلال التصعيد. النتيجة كانت انكشافًا سياسيًا سمح لقوى خارجية بالتدخل بذريعة إنسانية تحت شعار “حماية الدروز”، مما عمق الجدل الداخلي بشأن السيادة الوطنية، وأعاد تسليط الضوء على أهمية بناء مؤسسة تُدير العلاقة بين الدولة والقبائل بعقلانية وتخطيط لا بردات الفعل.
الرفض الشعبي لتسليم السلاح دون ضمانات، والدعوات المتزايدة لحوار وطني شامل يعيد الاعتبار للتنوع المجتمعي، كلها مؤشرات على تحول جذري في المزاج السياسي الداخلي. لم يعد بالإمكان تجاهل القبيلة كمكون مؤثر في المعادلة الوطنية. دول كثيرة سبقت سوريا في بناء هذا النوع من الهياكل؛ ففي الخليج تم دمج الولاء القبلي في مؤسسات رسمية فاعلة، وفي العراق والأردن استُخدمت العشائر كوسيط للتهدئة والتوازن السياسي، بينما اندمجت الأعراف القبلية في المغرب العربي ضمن أنظمة الحكم المحلي والمجالس الجهوية.
النموذج المقترح لسوريا لا يبدأ من فراغ؛ بل يُبنى على الواقع. تأسيس مجلس أعلى للعشائر، يضم ممثلين منتخبين من مختلف المكونات، مع إنشاء مكاتب إقليمية في المحافظات ذات الكثافة العشائرية، ووحدة متخصصة للإنذار المبكر، ومحاكم صلح عشائري تعمل جنبًا إلى جنب مع القضاء الرسمي، كل هذه اللبنات تصنع إطارًا مؤسسيًا قابلًا للتنفيذ والدمج داخل الدولة، وفق مراحل تبدأ بتشكيل لجنة وطنية للحوار، مرورًا بإنشاء مكتب داخل وزارة الداخلية، وصولًا إلى وزارة مستقلة إذا ثبتت فعالية النموذج.
لا شك أن التحديات قائمة، أبرزها ضمان التوازن في التمثيل، وتقنين التدخلات الخارجية، والتعامل مع النخب التقليدية التي ترفض التغيير. إلا أن الحلول ممكنة عبر آليات تمثيل شفافة، وتأهيل القيادات الشبابية من أبناء القبائل، وتعزيز الهوية الوطنية كمظلة شاملة دون إقصاء أو تفتيت.
اليوم، لم يعد السؤال “هل تحتاج سوريا إلى وزارة للشؤون القبلية؟”، بل أصبح السؤال الأكثر إلحاحًا: هل يمكن لسوريا أن تتجاوز أزمة السويداء دونها؟ الدماء التي سُفكت لا يمكن إعادتها، لكن يمكن تحويل الدرس إلى مؤسسة تُنقذ ما تبقى من وحدة الوطن، قبل أن تصبح السويداء نموذجًا مكرّرًا في دير الزور، والرقة، والحسكة، ومناطق أخرى لم تهدأ بعد.
كاتب قطري