هل خذلتنا الحكومة كما توقع العروي؟ تأملات حول الحرية وأحداث السويداء

هل خذلتنا الحكومة كما توقع العروي؟ تأملات حول الحرية وأحداث السويداء

 

د. آمال جبور

الحرية ليست مجرد شعار نردده، والدولة ليست مجرد سلطة تتحكم بنا. في العالم العربي، ما زلنا نعيش بين الحلم بالحرية والواقع الذي يفرض علينا قيودًا كثيرة.

المفكر المغربي عبد الله العروي كان من أوائل من نبّه إلى هذا التناقض، وطرح أسئلة مهمة: هل نفهم حقًا معنى الحرية؟ وهل نعيش في دول حديثة فعلاً، أم أننا ما زلنا محكومين بالطائفة والعشيرة والقبيلة؟
برأي العروي، لا يمكن أن تكون هناك حرية حقيقية بدون دولة حديثة، والدولة هنا ليست فقط مؤسسات وإدارات، بل هي مشروع سياسي وثقافي، يبني نظامًا عادلًا يقوم على القانون والمواطنة، ويفكك البُنى التقليدية التي تعيق تطور المجتمع، ويحرر المجتمع من سيطرة العشيرة والطائفة.

الدولة القوية تعني الانتقال من منطق الطائفة والقبيلة إلى منطق المواطنة، ومن حكم الفرد إلى حكم القانون. بالتالي، لا حرية حقيقية بدون دولة حديثة، ولا دولة بدون قطيعة مع الموروث القبلي والطائفي.

لذلك، حين تتحول الأزمات إلى نزاعات تُدار عبر رموز القبيلة والطائفة، فنحن لم نغادر بعد منطق ما قبل الدولة، فتبقى الدولة ضعيفة، وتبقى الحرية مجرد وهم.

ما حدث مؤخرًا في محافظة السويداء السورية يعيد هذه الأسئلة إلى الواجهة. بدأت الاحتجاجات بسبب ظروف اقتصادية وأمنية، لكنها تحولت بسرعة إلى تحركات تقودها المرجعيات القبلية والرموز الطائفية. غابت الدولة هناك، ليس فقط كحكومة، بل كمفهوم ومشروع. وفي غياب الدولة، ظهرت الرموز القبلية والطائفية التقليدية لتملأ الفراغ، فأصبحت المواجهات تعكس أزمة أعمق، أزمة غياب الدولة، وأزمة فهمنا للحرية!

ما رأيناه في السويداء ليس حالة خاصة، بل صورة عن واقع عربي أوسع. عندما تتحول الأزمات إلى صراعات تقودها الطائفة، وتُطالب الشعوب بالحرية من داخل القبيلة، فهذا يعني أن الدولة لم تنجح في ترسيخ نفسها، وأن الحرية ما زالت غير مفهومة بعمق. كثيرون يتحدثون عن الحرية، لكنهم لا يربطونها بالدولة والمواطنة، بل يطالبون بها من داخل هوياتهم الضيقة.

وهنا نعود إلى تحذير العروي: عندما تترك الأنظمة الأزمات بيد الرموز التقليدية المحلية، فإنها تفقد فرصة بناء دولة حقيقية. الحرية التي لا تقوم على المواطنة تبقى هشّة، والدولة التي لا تقطع مع الموروث التقليدي تبقى عاجزة عن التقدّم.
عبد الله العروي لم يكن يتكلّم في فراغ، بل كان يقرأ الواقع بعمق. قال بوضوح: لا حرية بدون دولة حديثة، ولا دولة بدون مشروع ثقافي يُعيد تعريف علاقتنا بالسلطة والمجتمع.
ما يحدث اليوم في السويداء وغيرها من المناطق العربية يعكس فشلًا في بناء الدولة، وفي ترسيخ مفهوم المواطنة والحرية. إنها ليست فقط أزمة مطالب يومية، بل أزمة مفاهيم: ما الدولة؟ ما الحرية؟ وربما حان الوقت لنعود لقراءة فكر العروي، لا كمفكر نخبوي، بل كصوت مهم قبل فوات الأوان. فكما قال: لا حرية دون دولة، ولا دولة دون تجاوز الطائفة والقبيلة.
صحفية وكاتبة أردنية