د. جمال الهاشمي: استراتيجيات التفكيك الدبلوماسي – معالجة التهديد المعقد من إسرائيل

د. جمال الهاشمي
تستخدم السياسة الخارجية الإسرائيلية كامتداد مباشر للعقيدة الأمنية والعسكرية وتركز الغاية على تعطيل الوحدة الاستراتيجية بين جبهات قتالية موحدة متعددة الاتجاهات وتفكيك أي شكل من أشكال التنسيق العملياتي بين الأطراف المعادية من خلال التوضيحات التالية:
المفهوم العملياتي للدبلوماسية الإسرائيلية..
منذ منتصف السبعينات تحولت الدبلوماسية الإسرائيلية من أداة رد فعل سياسي إلى أداة وقائية ذات وظيفة عسكرية غير معلنة تتمثل بما يلي
١. تحييد الجبهات القتالية عن بعضها
عزل الأطراف المعادية ميدانيا ومعلوماتيا
احتواء أي بيئة جغرافية قابلة للاشتعال ضمن معادلات ضغط مشروطة
خلق فجوة ثقة دائمة بين القوى الفاعلة تمنع التنسيق أو الدعم المتبادل
الأليات المستخدمة
ربط المصالح الأمنية لبعض الأنظمة المحلية بالمحافظة على التهدئة عبر تفاهمات ثنائية تشمل مساعدات مالية مشروطة ودعم لوجستي امني وتمرير معلومات استخباراتية تتعلق بأطراف أخرى في الصراع
العمل عبر طرف ثالث دولي أو إقليمي لتسويق مشاريع سياسية تمنع نشوء غرفة عمليات موحدة تفرض أجندات داخلية تقدم على الاعتبارات العسكرية المشتركة.
. إدارة التفكيك العملياتي عبر ضربات انتقائية و. استهداف القيادات الوسيطة التي تلعب دور الوسيط بين القوى الفاعلة واستهداف البنية التحتية للربط اللوجستي بين الساحات و ترك مساحة محدودة للرد المقنن بهدف إفراغ أي تصعيد من تأثيره الرادع.
هندسة الأزمات الداخلية للأطراف المعادية عبر: ضخ أعلام موجه لتعزيز الخطاب الانعزالي وتغذية التناقضات العقائدية والميدانية والدفع نحو صراعات ثانوية تحول الخصوم إلى جزر معزولة.
وهنا نجد أيها السادة أن هندسة القتال الإسرائيلي الأمريكي تعتمد على تفكيك الجبهات القتالية كامتداد للمشروع الأمريكي في تفكيك القرار العربي وفصله عن بعض لتمرير المشروع التواراتي المنصوص عليه في معتقدات الألفية .
العوامل التي ساهمت في فصل القضية الفلسطينية عن الفكر القومي والإسلامي :
التفكيك البنوي الناعم داخل الدول العربية عبر مفاهيم التحول الديمقراطي والانتخاب وتفعيل فجوة الصراع الداخلي من خلاله بين النظم السياسية والمعارضة .
تحويل المسار الديمقراطي من أداة مدنية إلى أداة ايدلوجية للتفكيك بين الأحزاب الطائفية وبعضها من جهة وبين الأحزاب الإسلامية والفكر القومي من جهة ثانية وبين الأحزاب القومية والفكر الاشتراكي من جهة ثالثة.
. تفعيل مبدأ حق تقرير المصير لتفكيك مفهوم المواطنة من داخل بافتعال جهويات جغرافية مهمشة لمواجهة المركز وحركات إثنية عرقية لمواجهة الاستئثار العرقي بالسلطة واستئثار الأقلية بالحكم أو هيمنة الأغلبية وتهميش مصالح الأقلية .
تعميق ايدلوجية الأمن القطري للدولة بدلا من الأمن الجماعي وقد حدث هذا عبر مسارات متعددة بدأت مع رسم الحدود بين الدول والدويلات العربية ثم وضع قواعد عسكرية داخل الدولة القطرية لحمايتها من تهديدات الدول المحيطة بها ولضمان استمرار فصلها عن المنظومة العربية .
. فصل التفكير النفسي والذهني للعقلية القطرية عن المنظومة العربية والتي عززتها حرب الخليج الثانية .
تفكيك الرؤية الإقليمية الموحدة عبر استحداث صراعات حدودية أو تاريخية كالتفكيك القائم بين دول الخليج وبعضها أو بشكل عام دول الجزيرة العربية ودويلاتها .
تفكيك المنظمات القومية أو تجميد قراراتها او تعطيلها كالجامعة العربية التي أسستها بريطانيا العظمى لضمان الهيمنة على القرارات العربية عبر التفكير المعلن من خلالها حتى لا تفاجئ العالم الغربي بقراراتها المفاجئة من خلال غرس دول عربية استخباراتية لصالح الاستعمار الناعم مقابل الدعم المالي كمدخل لتعزيز معالم الانقسام .
تفكيك المنظومة الإسلامية عبر حركات المد القومي والثقافي لمواجهة احتكار القومية المهيمنة على العالم الإسلامي.
تجنيد المعتقدات الإسلامية وفصل بعضها عن بعض عبر آليات وظيفية ساهمت في زرع معتقدات متطرفة كالصفوية لمواجهة التشيع من داخله وكامتداد متطرف عن للتشيع الإسماعيلي وكالجارودية لمواجهة الزيدية السياسية وحركة الفتوة لمواجهة التصوف من داخلة والخوارج لمواجهة التسنن من داخله ومن ثم تمكين هذه الفسيفساء المتطرفة لتفكيك المنظومات العقائدية المتقاربة مع جيرانها من المعتقدات الأوسع مما أدى إلى توسيع دائرة الصراع العقائدي الأوسع بين السنة والشيعة على مستوى السياسي والطوائف وبعضها على المستوى المجتمعي .
تفكيك القوميات باستحداث قطريات متطرفة .
كل هذه التشكيلات عندما تتوجه نحو فلسطين فإنها لا تنطلق من مظلومية إنسانية او قضية دينية أو قومية وإنما من منطلقات سياسية توظف القضية للسيطرة على الداخل ومواجهة المعتقدات المنافسة او لتفكيك القطريات والدول المحيطة بها .
بمعنى آخر استغلال مظلومية غزة وفلسطين لتوسيع الفجوات السابقة تحت استراتيجية منطق الهيمنة بتوظيف عواطف الجماهير الدينية والقومية والإنسانية.
النتائج المحققة ميدانيا:
غياب غرفة عمليات مركزية موحدة بين الاطراف المقاتلة.
انقسام الدول القطرية بين ثلاث توجهات :
– الحياد وهذا التوجه يخضع لضغوط وتهديدات محلية ودولية وحدودية.
– التحيز وهذا التحيز منه الخفي ومنه المعلن مع اسرائيل وتفرض عليه ذلك التهديدات المحيطة به والبحث عن مظلة حماية عسكرية تضمن له الأمن والاستقرار مستقبلا .
– المقاومة الوظيفية ويستخدم شرعية القضايا لاحراج الدول المتحيزة والمحايدة وتفكيك النظم القائمة من داخلها وسحب الشرعية منها بثورات اجتماعية ومنها من تتوجه كمقاول مقاوم .ومنها المقاومة الحقيقية وتعاني من خللين تسييس المبادئ وتفعيل فقه الواقع وتقديمه على فقه الثبات على المبادئ .
فقدان القدرة على تنسيق التوقيت والتكتيك القتالي على اكثر من محور بسبب اختلالات البناء واختلاف الرؤية والمقاصد وتباين المصالح.
تحييد الجبهات واحدة تلو الأخرى وفق جدول تفكيك تدريجي يفرضه التحولات في الواقع والمجتمع والدبلوماسية الدولية والقوة .
تراجع في الأداء التعبوي المنظم مقابل تصاعد النمط الفردي أو الفصائلي نتيجة لانعدام الثقة بين الديني والديني والقومي والقومي والمحلي والمحلي .
حيث كانت مثل هذه القضايا توحد الإسلامي مع القومي مع الاشتراكي وان اختلفت المقاصد والأسس والمنطلقات وهذه الفرقة هي وليدة تاريخية ممنهجة بنيت عبر أدوات الاستعمار الناعم ومفاهيمه السياسية الديمقراطية والحقوقية و….الخ .
التقييم العسكري:
الدبلوماسية الإسرائيلية تعمل بوظيفة الردع الناعم لا بهدف منع الحرب بل بغرض إدارة بيئة الصراع بما يضمن تفكيك التهديد المشترك وتحويلها إلى تهديدات معزولة يمكن احتواؤها أو ضربها بتكلفة منخفضة والاستفراد بكل جهة على حده عبر ضربات ممنهجة وهذا التحييد يكون من خلال استغلال العوامل السابقة وتضيق التفكير وانزله من المصلحة العامة إلى مصلحة الجماعة والدولة والأمن القومي فقط ومن هنا نجد إيران مهتمة بأمنها القومي أولا وتركيا كذلك ومصر والأردن وكل كيان أصغر من الدولة يحسب ذلك بحسابات الكسب والخسارة مما يوسع من دائرة التفكيك والنفوذ الأمريكي الإسرائيلي في المنطقة.
ويمكن وصف هذا النمط بانه تكتيك التجزئة الوقائية الذي يدار بمنظومة امنيه سياسية مدمجة تنطلق من تقدير موقف ثابت مفاده: لا وجود لخطر استراتيجي دون قدرة الخصم على التنسيق الميداني الزمني واللوجستي.
التوصيات المضادة عسكريا:
١. إعادة بناء حلقة وصل عملياتية خارج الأطر الرسمية أو المكشوفة
فصل العلاقات بين المسارات السياسية والمسارات القتالية
إنشاء وحدة تقدير مشترك تعمل على مبدأ الإنذار المتقاطع بين الأطراف
إحياء العقيدة العسكرية القائمة على المحور لا على القطاع والمقاولة والتوظيف.
تعطيل المسار الإسرائيلي عبر تسريب معلومات مضللة تؤدي إلى اختناق القرار السياسي الإسرائيلي.
ما تنجزه إسرائيل عبر أدواتها السياسية هو تفكيك وظيفي لأبسط مقومات الاشتباك المركب والخلل ليس في عجز الأعداء عن المواجهة بل في نجاح إسرائيل بتحويل الصراع إلى ملفات منفصلة كل منها يعالج محليا دون غطاء مركزي
الدبلوماسية هنا ليست بديلا عن المعركة وإنما مقدمة استراتيجية لها.
بدون هذه التوصيات نبشركم بالآتي:
عودة الاستعمار بكل أنواعه الصلبة والناعمة من خلال استراتيجية تقاسم النفوذ في الشرق الأوسط
الهيمنة الاستعمارية الجديدة على الاقتصاد والموارد الطبيعية والبشرية في المنطقة .
. تفكيك الدول الكبرى وتحويلها إلى دويلات بناء على المصالح الاستعمارية وجغرافيا التقسيم .
تحويل إسرائيل من دولة استيطان إلى دولة مركز نفوذ استعماري منافس لدول الاستعمار في تقاسم النفوذ.
فرض إسرائيل غرامات مالية على الدول العربية والإسلامية جراء المظلومية التاريخية لليهود.
. ضرب أي شبكة من شبكات المقاومة في مهدها.
توسيع فجوة الصراعات المحلية والقطرية.
تغيير بعض الأنظمة واستبقاء البعض الأخر ضمن دائرة النفوذ.
ما المخرج ؟
المخرج العقلي: وهو الشعور بالخطر المشترك والعمل على إعادة منظومة التعاون والشراكة الحقيقية والتخلي عن نشر الأيدولوجيات الدينية والأثنية على مستوى الدول القطرية العربية والإسلامية.
العمل المشترك على تفعيل المصالحة الوطنية بين مكونات الدولة الواحدة تخت مظلة العدل والمساواة والأخوة الوطنية وهذا الأفضل والأسلم.
المخرج السنني: وهو انشغال العالم المتقدم بحرب عالمية يقضي على مظاهر الحضارة القائمة وتضعف قدراتهم على النفوذ وهذا سيؤدي إلى تغيير نظم الدول والمجتمعات في منطقة الشرق الأوسط بالكلية إما إلى مزيد من الفوضى أو إلى تشكيل مركز يحرر المنطقة من الفوضى .
المخرج الطبيعي: انكفاء الدول الاستعمارية بصراعات محلية بين المد الليبرالي واليميني او بيت السلطة والشعب مما يضعف أدواتها الدبلوماسية الخارجية وفي هذه الحالة نحدث تحولات داخل منطقة الشرق الأوسط.
المخرج الفوضوي: ويكون بانقسام العالم العربي والإسلامي بين مراكز النفوذ الدولية ومن ثم تتوسع دائرة الحروب بالوكالة والنفوذ والانقلابات السياسية داخل دول منطقة الشرق الأوسط وتوسع دائرة الاغتيالات.
موقع إسرائيل من هذه التحولات:
في حالة نشوء حرب عالمية ستكون إسرائيل بعيدة عن الصراع الدولي منشغلة بتوسيع نفوذها .
وفي حالة الفوضى لن تكون جزء من الفوضى وفي حالة الوحدة والمقاومة سيهدد وجودها .