رغيد النحاس: أفكار محاصرة في الفضاء المظلم

رغيد النحّاس
الأفكار حولي في الظلامِ تدور
تُسري، كأنَّ الليل فيها أسير
تزدانُ بالوهم الثقيل كأنّها
تنفتح لتتراءى لي بلاد الشام
تنبسط في جغرافيا المكان
تستوي على عرش الزمان
تتنفّس الهواء نسيمًا
ياسمينيًّا
نارنجيًّا
جوريًّا
وتزفر برعشة الوجد
كمن بلغ الذروة.
وجوهٌ لم ألتقِ بها قطّ
تمرّ بي كأنّها تعرفني.
أراها تبتسم
تدعوني إلى ضوءٍ لا أصل إليه.
تمتلئ غرفتي بخطى لم أمشِها
وأحاديث لم أنطق بها
لكنّها تطرق جدران ذاكرتي
كأنّها صدى حياةٍ أخرى
كنتُ على وشك أن أعيشها
ثم نسيت.
الأفكار حولي عصافيرٌ
في قفصٍ مكسور
تطير في فضاءٍ ضيّق
تصرخ …
لا يسمعها أحد.
تحلّق ولا تغادر.
أحملها معي حين أستيقظ
كأنّي لم أنم قط،
كأنّ النوم ليس سوى باب
إلى زحامٍ جديد
حيث كلّ ما لم يحدث
ينتظرني …
بشغفٍ غامض.
تحت وسادتي، يتكوّم بلدٌ أسير
لم يُرسم على خرائط النوم
يصرخ فيه طفل يشبهني
ولا أحد ينصت.
تسكنني أفكار لا تخصّني:
وجوه غرباء،
مدنٌ لم أزرها،
وأمنياتُ ناسٍ مرّوا بي كعابري حلم.
كلّما أغمضتُ عيني
سقط من سقف الذاكرة
ضوءٌ باهتٌ …
يشبه اعترافًا مؤجَّلًا
أو سؤالًا يتيمًا بلا جواب.
الأفكار حولي كثيرة
كأنّني مركز دائريّ في زلزالٍ خفيف
لا يكسرني
لكنّه لا يتركني أنام.
أفكار من هذه؟
ليستْ شُروقي
ولا خطواتي
ولا تلك الأغنيةُ العالقةُ
في ليلِ الصدى.
إنّها غربتي تتنكّرُ في هيئة الحلم.
حين أُغمضُ عيني
أنامُ على زحمةٍ لا تنام
ويصعدُ من تحت رأسي
بلدٌ لا يشبه شيئًا سوى أمنياتي التي
لم تنادِ بأسمائها.
يُناديني حلمٌ
فألمحُ وجهي
ولستُ أنا.
أيّها الليل
دلّني على حلمٍ واحدٍ فقط
يعود إليّ إن ناديتُه
ولا يضيع في الزحام.
يا ليلُ
دلّني على واحدٍ منها فقط
واحدٍ …
يعودُ إليّ إذا ما بكيت
ويعرفُ كيف يُربّتُ فوقَ الجراح
كأنَّه يعرفني
منذ خيباتِ قلبي الأولى.
الدكتور رغيد النحاس باحث علميّ وموظّف متقاعد. كاتب بالعربيّة والإنكليزيّة وناشر ومحرّر ومترجم.
www.raghidnahhas.com