د. محمد عياش: “الهدنة التي أطلقها ترامب وتأثيراتها الصهيو-أمريكية”

د. محمد عياش: “الهدنة التي أطلقها ترامب وتأثيراتها الصهيو-أمريكية”

 

 

 

د. محمد عياش
يبدو أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، من الذين يعشقون الأرقام، والمزدوجة على وجه التحديد، هذا العشق مأتاه من عقدة الأرقام الفردية التي ربما تجبره على بذل الجهد للحساب سواءً بدايته أو نهايته، وبالتالي فإن التخلص من هذه العملية الحسابية، أفضل له، كرجل من الطبقة الأليغاريشية التروستية، ويشبه بتصرفاته رجل الموجيك الفلاح القن الروسي بدهائه وتعلقه بأرضه إلى حد المكر والمخاتلة .
المدة التي يتحدث عنها ترامب، والتي يعتبرها المحللون السياسيون بالمنتهية، أي عملية وقف إطلاق النار بين المقاومة الفلسطينية الباسلة، والكيان الصهيوني العاجز تماما ًعن إخضاع القطاع وتنفيذ الأهداف الكبرى التي تشدق بها بنيامين نتنياهو ببداية الحرب، ما هي إلا خديعة مكشوفة، وأعتقد أن دهاة السياسة الفلسطينية لن ينخدعوا ولن ينجروا وراء هذه الأكاذيب والترهات، لأن واشنطن والاحتلال الصهيوني لا ضمانة لهم ولا عهد ولا ذمة، هذا من ناحية الخبرة الطويلة، أما من الناحية السياسية من هو الضامن لهؤلاء القتلة، دهاقنة القتل والتدمير؟.
ستون يوماً، أعطاها ترامب لإيران، وبعدها يسمح للطائرات الإسرائيلية بقصف المنشآت النووية الإيرانية، فوردو، ونطنز، وأصفهان، وبالتالي مارس ترامب بنفسه الخديعة قبل الهجوم الصهيوني، في دلالة على انحدار الإدارة الأمريكية وتماهيها مع النيات الخبيثة الصهيونية، التي تهرب إلى الأمام.. فتح معركة بهذا الشكل ولمدة أثنا عشرة يوما ًمع دولة إقليمية تاريخياً ولديها حساسية كبيرة تجاه مكانتها واعتبارها، لا سيما تتبع لقيادة ثيوقراطية، وفيها رجل يمسك بكل مفاصل الدولة، واليه يعود الأمر بالحرب والسلام، لذلك تعتبر هذه المدة القصيرة من الحرب، معركة من بين المعارك، لأن الأهداف الصهيو- أمريكية تطبخ على نار هادئة، ومرتسمات الشرق الأوسط الجديد في عهدة رئيس الوزراء الصهيوني نتنياهو وبيكاره المنفرج!
تنسحب هذه المدة على قطاع غزة الصامد والصابر والقابض على الجمر، أعتقد جازما ً أن هذه المدة يتخللها الإفراج عن أكبر عدد من الأسرى والجثث، وبعد انقضاء المدة، وبقاء عدد قليل ستباشر إسرائيل القتال، مع إنذار أمريكي يتزامن مع الحملة، وربما تعود جميع المدمرات الأمريكية وترسوا قبالة شاطئ غزة، وإعلان الإنذار الأخير لجميع السكان بالتجمع عند الشاطئ، ليستفردوا بالمقاومة، قصفاً بالطائرات نفسها التي هاجمت المنشآت النووية الإيرانية.
الطبيعة «الكليبتوقراطية» (حكم اللصوص) للحلقة الضيّقة لنتنياهو، تراهن هذه المرة على واشنطن، وكما أعلنت الحرب على إيران وأنهتها واشنطن، تسعى لتكرارها في القطاع، طبعاً بعد المشاركة الفعالة من واشنطن الحليف القوي.. ترامب سيقول للمقاومة الفلسطينية بعد الستين يوما ً، لقد أنذرتكم وأنتم لا تستغلون الفرص، وإسرائيل تريدها نهاية سعيدة باستسلام المقاومة، أو الخضوع للشروط التي ستفرض عليها، وأجزم بأن واشنطن تزج نفسها في معركة خاسرة من الناحية القانونية والأخلاقية، إذ بات العالم يدرك حقيقة الأمور، والوضع الداخلي الأمريكي على شفا انفجار شعبي ضد ما تفعله الآلة العسكرية الصهيونية المدعومة من واشنطن التي تتجاوز كل الأعراف والقوانين الدولية .
المقاومة الفلسطينية لن تنجر وراء الخداع الصهيو- أمريكي، وهي التي بذلت ودفعت أثمانا ً باهظة لنيل حقوق الشعب الفلسطيني وانعتاقه من ربقة العدو الصهيوني، الاحتلال البغيض الذي يفتقر للأخلاق وعدو الإنسانية، ولديها الكثير من التكتيكات الإستراتيجية القادرة على هزيمة الكيان الصهيوني، ولو كان بالإمكان القضاء عليها لما قصّرت وادخرت جهداً، إذاً المعادلة الآن تقول، المقاومة الفلسطينية بخير ولن تنهزم، وكما أدارت المعركة باقتدار وبسالة، بإمكانها أيضاً خوض المفاوضات بنفس العزيمة والإصرار والثبات.
نؤكد أن لا ضمانة للأمريكيين ولا للإسرائيليين. الضمانة الوحيدة هي، استغلال الموافقة الصهيو- أمريكية، أو المناخ الجديد والحديث عن وقف إطلاق النار لمدة ستين يوماً وخلال الهدنة يمكن الحديث عن مراحل ومفاوضات تبحث التوصل إلى وقف إطلاق نار نهائي وتبادل الرهائن بجميع الأسرى الفلسطينيين، لاسيما بعد أن أعطى ترامب الضمانات لنتنياهو بعدم المسائلة وإلغاء المحاكمة، التمسك بالحقوق الشرعية للشعب العربي الفلسطيني، وعدم التنازل عن الثوابت، لأن الحرب الطويلة ليست خيار الكيان الصهيوني كما أكدها المجرم ديفيد بن غوريون.
مشكلة المقاومة الفلسطينية مع الكيان الصهيوني، هي معرفة الاتجاه الذي يسير عليه، أو كما تقول نظرية الأنتروبية، القصور الحراري، وهي الكمية الوحيدة في الفيزياء والكيمياء التي تحتاج إلى تعريف اتجاه الزمن أو ما يسمى سهم الزمن؛ لأن الصهاينة والأمريكان لا حدود لهم ولا يقيمون وزنا ً للشعوب المقهورة التي تحاول الخلاص والحرية؛ وربما ينتظرون عدد الشهداء حتى يصبح 60 ألفاً؛ وعندها يتوقف العدوان ؟!!.
– كاتب وباحث سياسي