نواف الزرو: خليل الرحمن تشهد أسوأ حملة ممنهجة لتدمير التاريخ والحضارة منذ احتلالها في عام 1967!

نواف الزرو: خليل الرحمن تشهد أسوأ حملة ممنهجة لتدمير التاريخ والحضارة منذ احتلالها في عام 1967!

 

 

نواف الزرو
وصفت الخطوة إلاسرائيلية  بسحب الصلاحيات المتعلقة بالحرم الإبراهيمي من بلدية الخليل ونقلها للمستوطنين الصهاينة بأنها تاريخية وخطيرة، وذكرت صحيفة يسرائيل هيوم 2025-7-15″أن إسرائيل نقلت الصلاحيات على الحرم الإبراهيمي في مدينة الخليل جنوبي الضفة الغربية المحتلة من بلدية الخليل الفلسطينية إلى المجلس الديني لمستوطنة كريات أربع. وقالت صحيفة: “بشرى كبيرة للاستيطان، ففي خطوة تاريخية غير مسبوقة تقرر إجراء تغيير كبير في الوضع القائم في “مغارة المكفيلة” (الحرم الإبراهيمي)، وتعد هذه أول مرة تُجرى فيها تغييرات جذرية في الحرم الإبراهيمي منذ قرارات ما تسمى “لجنة شمغار” عام 1994 التي كانت أوصت بتقسيم الحرم الإبراهيمي بواقع 63 بالمئة لليهود، و37 بالمئة للمسلمين، وحدث التقسيم في أعقاب مجزرة ارتكبها المستوطن باروخ غولدشتاين، وقتل فيها 29 فلسطينيًا كانوا يؤدون صلاة الفجر.
     وفي صميم المشهد، فالى جانب مخططاتها الاستيطانية المحمومة التي تنفذها على الارض في كل الجسم الفلسطيني، وفي مدينة خليل الرحمن على نحو خاص، فان سلطات الاحتلال تقوم بشن حملة “تطهير عرقي” وسطو مسلح على التراث العربي العريق في اهم الاماكن الفلسطينية، وفي مقدمتها خليل الرحمن، حيث هجمات وحملات السطو التراثي لا تتوقف ابدا. لدرجة ان البلدة القديمة في الخليل التي تعود إلى عصور ما قبل السيد المسيح عليه السلام تواجه خطر محو تاريخها بعد أن قامت سلطات الاحتلال بهدم عشرات المنازل الأثرية التي يتراوح عمرها بين 800 وألف عام لشق طريق خاص للمستوطنين يصل مستوطنة كريات أربع الواقعة على بعد أمتار من المدينة بالحرم الإبراهيمي.
فمنذ البدايات الأولى للاحتلال أعلنت الحكومة الائتلافية الإسرائيلية آنذاك أن الأولوية الأولى للاستيطان اليهودي في مدينة خليل الرحمن، وتحركت قاطرة الاستيطان التهويدي على أرض الخليل قبل أي مكان آخر.
 والحجة الأولى والكبيرة الأساسية المغلفة بالأيديولوجيا التي استندت إليها عملية الاستيطان في الخليل”أن الخليل مدينة مقدسة لدى اليهود، عاش فيها ومات بعض أنبيائهم وزوجات أنبيائهم كما ورد في التوراة “.
و”الملفت للانتباه “أن الاستيطان يجري في الخليل تحت حجة أنها مدينة عبرية، وأن الملك داود اتخذها في حينه عاصمة لملكه، وأن فيها عدداً من قبور الانبياء وزوجاتهم، وهي بذلك تتساوى في أهميتها مع تهويد مدينة القدس بل إن بعض المتطرفين الصهاينة يذهب أبعد من ذلك، ويعتبرها تفوق في أهميتها مدينة القدس”.
وتضمنت الخطوط الأساسية للحكومات الإسرائيلية المتعاقبة بعد ذلك، كما اشتملت كافة البرامج السياسية للأحزاب الإسرائيلية على اختلاف انتماءاتها وتصنيفاتها، على بند أساسي يميز ويبرز الاستيطان اليهودي في “أرض إسرائيل ” المزعومة، التي يقصدون بها أرض فلسطين التاريخية، وفي مفاهيمهم تأتي القدس والخليل في المقدمة.
وفي سياق ذلك كان شارون قد وضع مدينة خليل الرحمن بعد المدينة المقدسة، على قمة اجندته التهويدية، لدرجة انه اعتبر “ان الجيب الاستيطاني في الخليل ورقة استراتيجية بيد اسرائيل”، ما ينطوي على مضامين ودلالات وتداعيات بالغة الخطورة على مصير المدينة.
فحينما تكون الخليل ورقة استراتيجية بيد “اسرائيل”، فإن ذلك يعني: ان هذه المدينة الابراهيمية المباركة تتعرض الى اجتياح واكتساح تهويدي استراتيجي قد يحسم مصير المدينة ومستقبلها الى ابد الابدين.
ولعل قراءة اهم عناوين المشهد الماثل على ارض الخليل يشرح لنا المغازي والمخاطر الحقيقية وراء “ان تكون الخليل ورقة استراتيجية…”؟!
فالاستيطان اليهودي في الخليل هو اولا وقبل كل شيء استعمار وسلب ونهب وسطو مسلح ومصادرات وجدران عنصرية وحصارات واطواق وحواجز وقمع وتنكيل، والاخطر انه اجتثاث واقتلاع وإلغاء وترحيل – ترانسفير- لاصحاب الارض والوطن والتاريخ والتراث…!
فالمدينة القديمة وفق جملة من التقارير الفلسطينية والاجنبية تتعرض الى عملية ذبح منهجية للتاريخ والحضارة والتراث والوجود العربي فيها. والمدينة تحولت الى معسكر اعتقال للفلسطينيين هناك، وتتعرض على مدار الساعة الى اعتداءات المستوطنين الارهابيين المدججين بالاسلحة تحت سمع وبصر وغطاء الجيش.
وحرب الاستيلاء على المنازل العربية هناك لا تتوقف ابدا..والجيش والمستوطنون عبارة عن حكومتين تبطشان بأهل المدينة بيد واحدة…فالبلدة القديمة باتت في ضوء كل ذلك الوجه الحزين لمدينة الخليل.
   الى ذلك ، فمنذ ان اعلن نتنياهو عن خطته المشهورة  لاحياء وصيانة ما اطلق عليه “المواقع التراثية التهويدية”، توجّه اللوبي “من أجل أرض إسرائيل” في الكنيست برئاسة أعضاء الكنيست “زئيف الكين” من حزب الليكود، و”أرييه إلداد” من حزب الاتحاد الوطني، برسالة إليه-اي نتنياهو- يطلبون منه فيها “أن يضم ضمن خطته تأهيل المواقع التراثية ضم مواقع أثرية في أنحاء الضفة الغربية”، وبارك رؤساء اللوبي لنتنياهو خطته الوطنية لتأهيل وتقوية المواقع التراثية، والتي عرضها أمام مؤتمر هرتسيليا.
وجاء في فحوى الرسالة: “عدد كبير من المواقع التراثية المهمة لشعبنا تتواجد في أراضي الضفة الغربية، ومن اللائق ضم هذه المواقع التراثية إلى خطتك هذه.
وتضمنت الرسالة أيضا مطالبة اللوبي، نتنياهو ب”ضم مواقع تراثية في خطته، منها حسب العقيدة اليهودية، الحرم الإبراهيمي في الخليل، وقبر راحيل في مدينة بيت لحم، وقبر يوسف في نابلس، وأيضا قبر النبي شموئيل”.كما طالب أعضاء الكنيست ب”ضم عدد من المواقع الأثرية في جبل الخليل بالمدينة القديمة ومغارات “كومران” في البحر الميت، وجبل عيبال في شمال مدينة نابلس، وجبل جرزيم “النار” جنوب مدينة نابلس، وموقع القطار في قرية سبَستيا، ومنطقة سوسيا في الخليل”.
وقال أعضاء الكنيست في رسالتهم: “هذه المواقع ليس لها بديل، وهي أساس بقاؤنا كشعب”، مؤكدين على “أهمية وضرورة تأهيل وتقوية الصلة بها، لأنها –وبحسبهم- تضمن مستقبل شعب عاد لأرضه بعد ألفي سنة من الاغتراب”.
ويدعي المستوطنون” إن لهم حقا توراتيا في الخليل حيث كثيرا ما يتحول التوتر بين الإسرائيليين والفلسطينيين الى أعمال عنف. ولا تزال ذكريات المذابح عالقة في أذهان الطرفين“، ويعتبر مستوطنو الخليل أنفسهم “روادا يعيدون إنشاء مجتمع هجره أفراده بسبب مذبحة مات فيها 67 يهوديا على يد العرب عام 1929. ومنعت السلطات البريطانية التي كانت تحكم فلسطين آنذاك اليهود من العودة”.
وترتقي  حملات التهويد الشامل في مدينة الخليل الى مستوى التطهير العرقي  بالشهادات الموثقة، فقال رئيس وحدة المراقبين الدوليين في الخليل “يان كريستنسن” الذي انهى خدمته: “ان هناك عملية تطهير تستهدف الفلسطينيين في المنطقة”، وجاء في تقرير لمنظمة “بتسيلم” في هذا الصدد “ان 43% من سكان قصبة الخليل اجبروا على مغادرتها بسبب الاعتداءات..”، يضاف الى ذلك “ان هناك عملية ترانسفير تجري جنوب جبل الخليل تمهد لعمليات ترحيل كبيرة في المستقبل”.
اما عن منهجية تعطيل الدراسة والتعليم في المدارس والجامعات فحدث بلا حدود…؟!
   ويذكر تقرير فلسطيني في هذا السياق باوضاع الخليل بعد عقود طويلة من الاحتلال قائلا:” اعوام طويلة عاشها أبناء المدينة وخاصة المجاورين للمستوطنات والبؤر الاستيطانية مع فوهات البنادق فلكل واحدا منهم قصة وحكاية إلا أنها لم تغير من مأساتهم وآلامهم شيئا بل زادت اعتداءاتهم بإلقاء الحجارة والقاذورات وضربهم ومصادرة أراضيهم وسرقة ثمارها وإطلاق الأعيرة النارية وإضرام النار عليهم وأصبحت جزء من حياتهم اليومية”، وقال خبير الخرائط والاستيطان في الخليل عبد الهادي حنتش “ان الاستيطان في الخليل بدا في عام 1968م، عبر إقامة أحزمة استيطانية استكمالا لمشروع الخليل العليا الذي اقرته الحكومة الإسرائيلية، وبموجبها تم إنشاء أول مستوطنة على مشارف المدينة وهي مستوطنة كريات أربع تمهيدا لتطويق مدينة الخليل ومحاصرتها جغرافيا وسكانيا “.
    وتشن سلطات الاحتلال حملات احتفالات تلمودية تزييفية منذ احتلال مدينة خليل الرحمة، بغية تطويب المدينة لهم الى الابد باعتبارها “مدينة الآباء والاجداد-لليهود-“، و”انها مدينة تراثية لهم، وبالتالي من حقهم إقامة الاحتفالات التلمودية في كل مكان فيها.
وفي هذا السياق دعا وزير صهيوني إلى تدعيم الاستيطان في مدينة الخليل وتعزيزه، معتبرًا أن المدينة هي بمثابة “القلب لإسرائيل”.  وبحسب تقرير بثه تلفزيون القناة السابعة الصهيوني “اعتبر وزير البنية التحتية الصهيوني  سابقا عوزي  لانداو أن مدينة الخليل هي “البنية التحتية الحقيقية لإسرائيل” وليس الماء والطاقة”، فيما “عبر عن أسفه لعدم قيام المدارس الصهيونية بتعليم تلك “الحقيقة” للأجيال الشابة بالقدر الكافي”.  ودعا الوزير إلى “تدعيم الاستيطان في مدينة الخليل وتقويته؛ وإلى ضرورة “تنظيم الحملات السياحية إلى المدينة، والتثقيف حولها في البيت والمدرسة، منذ مرحلة رياض الأطفال، وأثناء الخدمة العسكرية، وكذلك البناء فيها”. واعتبر “أن التغيير يجب أن يبدأ من مدينة الخليل، التي قال إنها تمثل الجذور بالنسبة لليهود، معبرًا عن رغبته في أن يؤثر هذا التغيير على الأنظمة التعليمية والسياسية والعسكرية الصهيونية، لتصبح المدينة هي من يقود الجميع، وأضاف “بتغيير القلب، يتبع البقية لاحقًا”.  كما أقام مستوطنون أقام عشرات المستوطنين احتفالا تلموديا صاخبا في ساحات الحرم الإبراهيمي الشريف، بدعوى إدخالهم التوراة إلى الحرم، وذلك بمشاركة وزير الأمن –في حينه- غلعاد إردان”.
وعلى الخلفية التلمودية ايضا، “شارك جميع ضباط الحاخامية العسكرية الكبار في الجيش الإسرائيلي في يوم دراسي خاص برئاسة الحاخام العسكري الرئيسي للجيش الإٍسرائيلي العميد الحاخام أيال كريم. وبدأ الضباط الحاخامات اليوم الدراسي بزيارة تجوالية في مدينة الخليل، حيث تجولوا في المستوطنة  اليهودية في مدينة الخليل، ومن ثم وصل الضباط لزيارة الحرم الإبراهيمي”.
وهكذا كما نتابع في التفاصيل وهناك غيرها الكثير الكثير الذي يحتاج الى توثيق، فان مدينة خليل الرحمن  تتعرض الى حملات منهجية مبيتة من اعمال السطو التراثي التضليلي التزييفي، مما استدعى ان يخوض الفلسطينية معركة هامة من اجل اعتماد المدينة في اليونسكو ك”مدينة تراثية عربية فلسطينية” كما سنتابع في الفصل التالي.

[email protected]