شوقية عروق منصور: مآسي “غزة” تصل إلى باريس

شوقية عروق منصور: مآسي “غزة” تصل إلى باريس

شوقية عروق منصور
لا أحب السيناريو الذي يبدأ بالكذب وينتهي بالنفاق، ثمة مواقف تدفع البعض إلى الضحك لدرجة القهر، وأحياناً الشتم من المفارقات التي تجسد مرحلة العهر البشري.
من الصور التي خرجت علينا من وسائل الاعلام الإسرائيلية ” مرتدية ثياب العطف والشفقة والحزن والتضامن، صور” الحمير المعذبة والمضطهدة”  في قطاع غزة أو كما أطلقوا عليها “الأرواح المعذبة ” .
بما أنه  الجيش الإسرائيلي في قطاع غزة يحمل  في قلبه العطف والحب والرحمة ، ها هو يشفق ويعطف ويقدم العون للحمير التي تعاني من الجوع والإهمال والتعذيب، لذلك من باب الإنسانية التي تسيل مع عرقهم وخوذاتهم وجرافاتهم ،  قرروا تخليص ” الحمير ” من المعاناة وحياة العبودية والشقاء .
وتحت  شعار “أنقذوا حمير غزة” قاموا بجمعها و إرسالها خارج القطاع   إلى إسرائيل ” حيث هناك تنتظرهم الشابة “شارون كوهين” التي تواصلت مع الفرنسيين وأخذتهم إلى فرنسا ووضعتهم في مزرعة بعنوان “مزرعة الإنقاذ”.
مع العلم أن كلمة “إنقاذ” قد فقدت من القواميس السياسية وأصبحت يتيمة، تطل علينا من شفاه بعض المهرجين في سيرك السياسيين الذين أصابهم الصمم من نداءات الاستغاثة وصراخ الجوعى ورؤية الجثث المتناثرة والدم الذي أصبح مباحاً كديكور مجنون في حرب شرسة  لا تعرف إلى أين ستصل نهايتها.
نسمع الجندي  في غزة  يردد: ما أجمل أن تكون انساناً في هذا العصر الحجري، عصر القلوب الصلبة ، الصخرية  التي لا تعرف الشفقة والرحمة،  ولا تعرف ما معنى معاناة “الحمير”؟؟؟  هم وحدهم – الجنود –  فقط من  يشفقون عليها .
 ما أجمل أن تسمع شهقات ” الحمير ” وتدفع لعبة الكراهية نحو ” الحيوان ” إلى لعبة ” إنقاذ” يتغنى بها الجيش وضحكات القادة .
ما أجمل ضحكات الفرح وهي تنقذ ” الحمير ” من براثن أهالي غزة الذين لا يعرفون العطف على الحيوان ؟؟!!  و يصرون على استعباده  وجعله يحمل فوق طاقته ويسير تحت أشعة الشمس الحارقة مئات الكيلو مترات حسب أوامر النزوح  الصادرة .
ما أجمل أن يجد “الحمار” حضناً آمناً يخلصه من أصوات الانفجارات والصواريخ ورؤية الدمار والبيوت والبنايات الشاهقة  التي تحولت إلى ركام، والسير على الطرقات المدمرة  والتي تعيق خطواته وتتعبه من كثرة الحجارة والحفر .
ما أجمل أن يُستقبل “الحمار” في فرنسا “استقبال الابطال لأنه كان شاهداً على عنف أهالي غزة وتعذيبه، وعندما يأتي الرئيس الفرنسي “ماكرون” لاستقباله سينظر الحمار في عيني “ماكرون” طويلاً  ويحاول أن  يحدثه حديث الصدق والحقيقة ، لكن لن يفهم عليه لأن زوجة “الماكرون” قد تسحبه وتصفعه قائلة له: تذكر شعار الثورة الفرنسية “الحرية، آخاء ، مساواة” لم تذكر الثورة “الحمير”.
كان الفنان الأردني “نبيل المشيني” الذي تقمص شخصية “أبو عواد” في مسلسل “حارة  أبو عواد”  يردد نحن في زمن “الشقلبة”.. والأيام تثبت ” نحن في زمن الشقلبة”.
نحن لا نكتب بالحبر السري ونحاول فتح صفحات ومجلدات عالم “الحمير”  ولكن خبر العطف على “الحمير الغزية”  وسرقتها علناً وأخذها إلى داخل إسرائيل ثم ترحيلها إلى فرنسا ووضعها هناك بالرعاية والاهتمام وتوفير الأمن والأمان ، يجعلنا نضحك من زمن الشقلبة ، لأن الطفل والمرأة  والشيخ والمريض وتدمير المستشفيات والبيوت تجعل قائمة الصراخ تطول، ويركض خلفها  الوجع والجوع  والعطش والخوف  والخيام .. الخ. حيث أصبحت الحرب على  غزة  أطول من التاريخ ومن جلسات التفاوض ومن الابتسامات الباهتة للسياسيين وتصريحاتهم التي أصابها العفن.
حتى قضية  دفن الجثث في غزة أصبحت من القضايا الهامة بعد أن امتلأت الأرض بالمقابر المتفرقة، وغابت الأسماء، وهناك من أكد أن الكلاب السائبة تحفر في التراب باحثة عن الجثث لأكلها.
عندما   انطلقت ” أغنية بحبك يا حمار ” للمطرب المصري الشعبي ” سعد الصغير” قامت القيامة على ترهل الذوق الفني ووصول الأغاني إلى هذا المستوى من  ” الحنطور – العربة التي يجرها الحمير  ” – حسب ما غنت المطربة أمينة  “أركب الحنطور واتحنطر” إلى الحمير ، ولكن لم نكن نعرف أننا سنصل إلى زمن لم نجد  له العنوان المناسب ، لأنه فقد شرعيته الإنسانية ودخل الحظيرة .
كنا  نشعر أن الحمار الذي حمل السيدة مريم العذراء عندما قدمت  إلى مدينة  الناصرة  المنقذ لها ، و ضحكنا مع حمار جحا ومغامراته  ، وخرج كاتبنا ” توفيق الحكيم  متباهياً بكتابه ” حمار الحكيم ” في سنوات الثلاثين . حتى أصبح الحمار توقيعاً وتأسست عام 1930 ”  في مدينة  القاهرة ” جمعية الحمير الأدبية ” وكان أشهر الأعضاء ”  طه حسين وعباس محمود  العقاد والمازني وتوفيق الحكيم ” .
هناك الكثير من القصص والحكايات التي نستطيع أن نشير إليها تأكيداً لمن يحاول وضع” أهالي غزة ”  في قائمة من لا يحترمون الحيوانات  ويقومون بتعذيبها !!.
 ورداً على خبر تعذيب ” الحمير ” وعطف الجيش الإسرائيلي عليها ، قام بعض الشباب والفتيان في قطاع غزة  بعمل عدة احتفالات بسيطة في الشوارع ، استعرضوا خلالها  الحمير وهي مزينة ،  تحت عنوان ” شكراً للحمير ” لأن هذا الحيوان أنقذهم وكان وسيلة النقل المخلصة والوفية لهم  في هذا الزمن ..!!!
كاتبة فلسطينية