ما هي الخطوات التالية بعد الفتنة في السويداء؟ وما هو السبب الرئيسي وراءها؟ ولماذا قد تنتقل إلى مصر والسعودية وتركيا والجزائر والعراق؟

عبد الباري عطوان
ما يجري في سورية حاليا من فوضى وصدامات وتصفيات عسكرية، وفتنة طائفية وتدخلات إسرائيلية هو تجسيد “مصغر” لسيناريو امريكي إسرائيلي تدميري وسينتقل حتما الى معظم الدول العربية الأخرى، عنوانه الأبرز “الفوضى” التي ستقود حتما الى الحروب الطائفية والعرقية والتفكيك، والتقسيم، وقيام شرق أوسط جديد تحت حكم إسرائيلي مطلق.
عندما تقصف الطائرات الإسرائيلية مجمع هيئة اركان الجيش السوري “الجديد المسالم”، ومقر وزارة الدفاع، ومحيط القصر الجمهوري تحت “ذريعة” حماية أبناء الطائفة الدرزية في السويداء، فهذا يعني ان دولة الاحتلال الإسرائيلي تقف خلف هذه الفتنة، بطريقة او بأخرى، بهدف انهاء وجود دولة إسمها “سورية” خاضت اربع حروب ضد المشروع الصهيوني.
***
البداية “المسمومة” تجسدت في مشروع “تثوير” الشعب السوري، من خلال توظيف بعض أخطاء النظام السابق، بشكل مدروس، تحت مسميات الديمقراطية، وحقوق الانسان، ومحاربة الاستبداد، لفرض حصار تجويعي قاتل على الشعب السوري لإيصاله، ودولته الى الفوضى الحالية الدموية.
النظام السوري الجديد كان مجرد مرحلة انتقالية مؤقتة لتنفيذ المهمة الأساسية وهي إسقاط النظام، والاختفاء من الوجود بعد إنجاز المهمة، مثلة مثل ذكر النحل الذي يقوم بتلقيح الملكة، ويفارق الحياة فورا.
الرئيس المؤقت احمد الشرع قدم للإسرائيليين كل ما يتطلعون اليه من تطبيع، وتعهدات بإخراج سورية من محور المقاومة، وتوفير الأمن والحماية والاستقرار، ولكن هذا لم يغفر له، ولم يحمي نظامه من العدوان والاذلال، والغارات، لان الهدف الاستراتيجي المتفق عليه هو تغيير سورية، وليس تغيير النظام.
يخطئ الاشقاء الدروز اذا صدقوا النوايا الإسرائيلية الكاذبة المعلنة لحمايتهم وخاصة السوريين منهم، لأن إسرائيل تدرك جيدا تغلغل العروبة والإسلام في جيناتهم بما تعزز انتمائهم لأمتهم، التي تجسدت في القائد الدرزي العربي البطل سلطان باشا الأطرش، الذي قاد الثورة العربية ضد الاستعمار الغربي.
الطائرات الإسرائيلية نفذت أكثر من 500 غارة لتدمير القواعد العسكرية والمطارات والموانئ ومخازن الأسلحة التابعة للجيش العربي السوري بعد اقل من خمس ساعات على اعلان سقوطه، مما يؤكد ما قلناه آنفا، ونكرره بالقول أن الهدف هو سورية الدولة، وسورية الشعب، وسورية التاريخ، وسورية العروبة، وليس سورية النظام فقط، وهذه القاعدة تتجسد حاليا بكل وضوح في ما يجري حاليا في جنوبها، بل وفي قلب عاصمتها دمشق.
الجنوب السوري الذي كان يشكل اكبر تهديد وجودي لدولة الاحتلال وأمنها، واستقرارها، بات الآن يخضع للاحتلال الإسرائيلي بشكل مباشر، وبذريعة حماية الاشقاء الدروز من بطش السلطة المؤقتة في دمشق، ولن نستبعد احتمال تكرار السابقة نفسها في شمال سورية وشرقها، والذرائع الطائفية والعرقية موجودة بانتظار “التفعيل”.
لن نطالب الحكومات العربية التي هللت وكبرت فرحا لسقوط النظام السابق، واحتفالا بالنظام الجديد، للتدخل لحماية الأخير، فهؤلاء الذين صمتوا، واداروا وجوههم الى الناحية الأخرى، ولم يدّخلوا رغيف خبز واحد للمجوعين، والمبادين في قطاع غزة، بل وكافأوا “المعلم” الأمريكي الداعم للجزارين والقتلة بخمسة تريليونات دولار، غير الهدايا الشخصية، والعقود التجارية الدسمة لشركاته وطاقمه في مرحلة ما بعد خروجه من البيت الأبيض.
***
ختاما نقول ان هذه الفتنة الامريكية الإسرائيلية التفكيكية التي توظف المعايير الطائفية، والعرقية، لتحقيق أهدافها في سورية، وصياغة خرائط لشرق أوسط جديد صهيوني الهوية والهيمنة، ستنتقل حتما الى العديد من الدول العربية وعلى رأسها مصر، والمملكة العربية السعودية، والجزائر، وتركيا، ولبنان، والعراق.. والقائمة تطول، فالصداقة لأمريكا، والتطبيع مع إسرائيل وتقديم التريليونات لا تشكل أي ضمانة بعدم وصول النار الى ذيل اثوابهم والتهامها.. والأيام بيننا.