د. ربيع محمود العمور: الأردن: حكومة تعيق الإصلاحات السياسية وتخفف من قوة التوجيهات الملكية.

د. ربيع محمود العمور: الأردن: حكومة تعيق الإصلاحات السياسية وتخفف من قوة التوجيهات الملكية.

 

د. ربيع محمود العمور

في الوقت الذي رسم فيه جلالة الملك عبدالله الثاني خارطة طريق واضحة لمنظومة تحديث سياسي شاملة، تضع الشباب في قلب المشهد، وتُكرّس دور الأحزاب كأداة رئيسية في التعبير عن الإرادة الشعبية، تقف الحكومة موقف المرتاب المتردد، وكأنها تتعامل مع هذه التوجيهات لا كاستراتيجية دولة، بل كمناورة إعلامية مؤقتة سرعان ما يتم تمييعها في دهاليز البيروقراطية والمصالح الضيقة.

أولاً: القوانين وحدها لا تصنع التغيير

نعم، تم إقرار قانوني الأحزاب والانتخاب عام 2022 ضمن مخرجات اللجنة الملكية، وتضمن القانونان تخفيض سن الترشح، وزيادة المقاعد الحزبية، وتحفيز مشاركة المرأة والشباب. لكن أي مراقب نزيه يرى أن الحكومة لم توفّر البيئة السياسية الحاضنة لتطبيق هذه النصوص، فظلت تلك القوانين جميلة شكلاً، مشلولة مضمونًا.

فكيف لحكومة أن تتحدث عن دعم العمل الحزبي، بينما ما زال الطالب الجامعي يخاف أن يُساء فهم انخراطه في حزب سياسي؟ كيف يُقال للشباب “شاركوا”، والحكومة ذاتها تعجز عن تمويل الأحزاب أو توفير برامج تأهيل سياسية داخل المدارس والجامعات؟

ثانيًا: الحكومة تُعطّل، لا تُنفّذ

ما يجري هو نزع تدريجي للمعنى من التشريعات الحديثة.
ففي ظل غياب إعلام سياسي جاد، وفقدان الإرادة الحكومية لتحويل هذه التشريعات إلى واقع، تتحول القوانين إلى واجهة شكلية بلا روح.

الأحزاب الجديدة التي تشكّلت بعد الإصلاحات، تواجه عراقيل تنظيمية وإدارية، بينما يُكافَأ الولاء القبلي على حساب الانتماء البرامجي. فكيف يمكن بناء دولة مدنية حزبية، والتمويل الرسمي، والتسهيلات اللوجستية، والدعم النفسي والسياسي ما زال موجهًا نحو “المرشّح الفرد”؟

ثالثًا: إخفاق في مخاطبة العقل الشبابي

التوجيه الملكي كان صريحًا: الشباب هم ركيزة المستقبل.
لكن أين الحكومة من هذا التوجيه؟
ما هي الخطة الحكومية الحقيقية لخلق جيل سياسي واعٍ؟
أين البرامج القيادية؟ أين التحفيز؟ أين الفرص؟
نسبة مشاركة الشباب في الأحزاب لا تزال دون 7%. ونسبة مشاركتهم في الترشح تكاد تكون هامشية، والسبب؟ لأن الحكومة لم تؤمّن لهم “حاضنة سياسية آمنة”.

الشاب الأردني لم يفقد الإيمان بوطنه، بل فقد الثقة في مؤسسات لا تحترم إرادته، ولا تؤمن بحقه في الحلم، ولا تمنحه أدوات التغيير.

رابعًا: التناقض المربك بين الدولة والحكومة

الدولة – ممثلة برؤية الملك – تتقدم، لكنها تُجرّ خلفها حكومة ترتجف من ظل التغيير، تفضّل منطقة الراحة على مغامرة الإصلاح، وتعتقد أن التحديث السياسي يُدار من غرف الاجتماعات، لا من ميادين الفعل.

هذا التناقض صار يثير الشك العام، ويقتل الثقة، ويفتح الباب أمام روايات بديلة تهدد الاستقرار نفسه.
التوجيه الملكي لم يكن ترفًا سياسيًا، بل كان محاولة تاريخية لإعادة ضبط الحياة العامة على أسس مدنية، تُحترم فيها الأحزاب، وتُكرّم فيها الكفاءات. والحكومة، للأسف، لم تلتقط اللحظة، بل تُخدّرها بالتردد.

خامسًا: المطلوب الآن… لا غدًا

نريد حكومة تمتلك الشجاعة لا المجاملة.

نريد تنفيذًا لا تبريرًا.

نريد استعادة الثقة، لا إدارة الأزمة فقط.

إذا لم تُترجم منظومة التحديث إلى ثقافة عامة، ومنهج عمل حكومي، وسياسات تعليمية وإعلامية وحزبية متكاملة، فإن كل حديث عن الإصلاح سيبقى حبيس الورق… وستفقد الدولة زخمها التحديثي، لأن الحكومة قررت أن تُعانق الجمود.

ختامًا
التاريخ لا يُكتب بالنوايا، بل بالفعل الجاد.
والأوطان لا تُبنى بالمؤتمرات، بل بالقرار السياسي الشجاع.
آن للحكومة أن تلتحق بالدولة، أو أن تُفسِح الطريق لمن يؤمن بالرؤية ويملك الجرأة على تنفيذها.
كاتب اردني