ما الدلالات وراء انتهاك قوات النظام بصورة سلطان باشا الأطرش وقطع شوارب الدروز؟ ولماذا تسرّعوا في الانسحاب من السويداء بعد الضربات الإسرائيلية؟ وما أسباب إعلان وئام وهاب عن تأسيس “جيش التوحيد”؟ وهل هناك احتمال لتدخل “حزب الله”؟

عمان- “رأي اليوم”- خالد الجيوسي:
سارعت قوّات الجيش السوري الانتقالي الجديد إلى سحب مدرّعاتها، ودباباتها الثقيلة من محافظة السويداء، بعد أن قالت إنّ قوات الأمن العام التابعة لوزارة الداخلية الانتقالية دخلت إلى محافظة السويداء، لحفظ الأمن، بعد اشتباكات عنيفة اندلعت بين الدروز، ومليشيات مسلحة تابعة للدولة الجديدة، جدّدت مخاوف التقسيم، والاقتتال الداخلي.
وبدأت المواجهات بعد أن شنّ مسلحون دروز هجومًا على حي “المقوس” شرقي السويداء، والذي تقطنه عشائر بدوية، في محاولة لتحرير نحو 10 شبان دروز احتُجزوا في وقت سابق من اليوم من قِبل أبناء العشائر، كردٍّ على احتجاز مسلحين دروز لعدد من أبناء البدو في نفس التوقيت.
الحادثة وقعت ليل السبت، عندما تعرّض السائق “فضل الله دوارة” لاعتداء خلال عودته بسيارة خضار من دمشق، في منطقة بين “خربة الشايب” والفيلق الأول، حيث تمت سرقة سيارته ومبلغ 7 ملايين ليرة سورية (نحو 695 دولاراً)، ما أشعل سلسلة من الاحتجازات المتبادلة وتصاعد التوتر إلى مواجهات مسلحة عنيفة.
وانسحب للجيش السوري، على وقع تجنّب الاصطدام مع تل أبيب، التي تعمل على فرض منطق “المنطقة المنزوعة السلاح” جنوب سوريا، في محافظات القنيطرة ودرعا والسويداء، وبادرت إسرائيل إلى قصف قوات الشرع بذريعة استشعار تهديد على حدودها الشمالية، بينما تتناسل التقارير عن قرب التطبيع بين دمشق، وتل أبيب، الأمر الذي يطرح تساؤلات عن حقيقة هذا التهديد السوري المُفترض من قبل حكومة “الجهادي السابق”.
وأوعزت حكومة بنيامين نتنياهو، الثلاثاء، للجيش باستهداف القوات السورية في السويداء “فورًا”، بناء على طلب من رئيس الوزراء الإسرائيلي ووزير الجيش، وذكر بيان لمكتب نتنياهو، “إسرائيل تعمل على منع الحكومة السورية من إلحاق الأذى بالدروز وضمان نزع السلاح من المنطقة الحدودية”.
حكومة حكّام دمشق الجديدة، قالت إنها تعمل على فض الاشتباك بين الدروز، والعشائر، ولكنّ التقارير القادمة من هناك قالت إنّ قوات الأمن العام التابعة لحكومة أحمد الشرع، أشارت إلى أن تلك القوات قاتلت ضد الدروز، إلى جانب العشائر.
وأدّت الاشتباكات في آخر حصيلة للمرصد السوري لحقوق الإنسان إلى سقوط 166 قتيلًا من الدروز والبدو وقوات الجيش السوري.
وتقدّمت القوات السورية الانتقالية نحو مدينة السويداء ذات الغالبية الدرزية مساء أمس الاثنين إثر معارك أوقعت أكثر من مئة قتيل.
ويتواصل نزوح العائلات في محافظة السويداء السورية نحو مناطق أكثر أمناً، من بينها الريف الجنوبي، منذ بدء الاشتباكات والمواجهات الدامية التي أوقعت عدداً كبيراً من القتلى والمصابين.
وعلى وقع التنكيل الذي طال الدروز، وقتل مشائخهم، وسبي نسائهم، وقص شوارب رجالهم علنًا بطريقة مهينة، أعلن رئيس حزب “التوحيد العربي” والوزير اللبناني الأسبق وئام وهاب عن انطلاق تشكيل مسلح جديد تحت اسم “جيش التوحيد”، داعيًا الدروز إلى “المقاومة بالسلاح”.
وقال وهاب في منشور عبر منصة “إكس”: “بعد التشاور مع أهلنا وشبابنا أعلن انطلاق جيش التوحيد. ندعو الجميع للانضمام والبدء بتنظيم مقاومة مستقلة… يا أهلنا في كل مكان في لبنان والجليل وسوريا ودول العالم إنزلوا الى الساحات للتضامن مشايخ تقتل نساء تسبى أطفال يموتون كله بإشراف المجرم الجولاني وجيشه”.
وناشد وئام وهاب حزب الله بالقول: أناشد المقاومة اللبنانية بالوقوف إلى جانب الدروز الذين يتعرضون للإبادة . نطالبكم رسميا بالوقوف ومد الناس بالسلاح والخبرات. دخول السويداء لا يعني سُقوط الجبل”، داعيا “الجميع في السويداء والقرى المحيطة لطرد المسلحين خارج المدينة”.
وانقسم الدروز حول دخول قوات الشرع إلى المدينة، فدعا بيان الرئاسة الروحية للدروز في السويداء لعدم مقاومتها وتسليمها السلاح، فيما تراجع الزعيم الدرزي الشيخ حكمت الهجري عن بيان الرئاسة الروحية الذي رحب بدخول قوات الجيش والأمن للسويداء، وقال إنّ المحادثات مع دمشق لم تفض لنتائج رغم قبول التهدئة لحقن الدماء، داعيًا إلى التصعيد.
وأقدم مسلحون محسوبون على القوات التابعة للحكومة الانتقالية في سوريا على دوس صورة القائد العام للثورة السورية الكبرى ضد الاستعمار الفرنسي، سلطان باشا الأطرش، في تصرف أثار موجة غضب ورفض شديدين، لما يحمله من دلالات مستفزة بحق أحد أبرز الرموز الوطنية في التاريخ السوري المُعاصر.
وبحسب مشاهد بثّها عناصر من القوات السورية الانتقالية، وذلك بعد دخولهم إلى الشارع المحوري أحد أشهر الشوارع التجارية وسط مدينة السويداء، أظهر تعرّض المحال التجارية للنهب والحرق.
الشهادات القادمة من السويداء وفقًا لموقع “السويداء 24” أشارت إلى وجود فوضى عارمة في صُفوف القوات العسكرية التابعة للشرع، والتي دخلت إلى مدينة السويداء، حيث تُمارس مجموعات السلب والنهب والاعتداء على المدنيين، تأتي مجموعات أخرى وتدعو المتضررين لتقديم شكاوى وتؤكد لهم أن هذه الممارسات “فردية لا تمثلهم”.
وتتكرّر عبارة مُمارسات فردية مع كل تجاوزات، وانتهاكات تصدر بحق الأقليات، تمامًا كما حدث في أحداث الساحل السوري ضد العلويين على يد فصائل مسلحة وعد الشرع بالتحقيق معها، وها هي المدة انتهت دون أي نتائج.
التساؤل المطروح الآن، هل ثمّة دولة في سورية تحمي جميع السوريين، هل ثمّة دولة قادرة على الخروج من عدم تحمّل المسؤولية، ورميها على شمّاعة “الأعمال الفردية”، هل حقًّا هذه الاشتباكات العنيفة التي تتجدّد كل فترة في سورية، نتاج صنيعة موقف لحظي، أم أن المسألة سياسية معقدة، لا يُمكن في كل مرّة فرض قوّة المليشيات فيها، لا قوّة جيش الدولة، ومؤسساتها، وهل أسقطت “الثورة” النظام السابق، ومؤسساته، للحرية والديمقراطية، أم للانفلات وضياع الهوية، والبحث عن الأمن، والأمان، والمواطنة، والوطنية؟