آسيا العتروس: من سربرنيتشا إلى غزة.. دبلوماسية النفاق والتواطؤ

اسيا العتروس
سيعودون بعد عشرين أو ثلاثين عاما وسيقولون لقد فشلنا و عجزنا عن منع الابادة في غزة ..لم نكن نعلم بما يحدث هناك على أرض فلسطين من قتل للنساء و الاطفال والشيوخ والشباب .و سشنقول لهم من الان كم أنتم كاذبون منافقون و للحق ناكرون .. .للنفاق السياسي عنوان لا يخطئه ملاحظ عندما تتناقض الافعال والتصريحات ازاء أخطر وأبشع الجرائم و أفظعها لا سيما عندما يتعلق الامر بانسانية الانسان و الحق في الوجود و الحرية والكرامة .. يقولون ما لا يفعلون ..يقسمون بعدم السماح بتكرار جرائم الابادة و لكنهم يمسكون بمقاليد تمويل و تسليح و دعم مجرمي الحرب و يمنعون ملاحقتهم و يسمحون لهم باختراق فضاءاتهم الجوية و لالتنقل بأمان في العالم في نفس الوقت الذي تدك فيح قواتهم مخيمات الابرياء ..
نقول هذا الكلام ونحن نرصد ابرز التصريحات الصادرة عن كبار المسؤولين في الاتحاد الاوروبي وهم يستحضرون وقائع مجزرة سريبرينيتشا قبل ثلاثين عاما و يرددون تصريحات الببغاء بان ما حدث في قلب أوروبا في حق مسلمي البوسنة قبل ثلاثة عقود على يد الصرب لا يمكن و لا يجيب أن يتكرر و أن على العالم أن يقف ضد كل محاولات انكار أو التقليل مما حدث انذاك لمسلمي البوسنة ..و الامر ذاته يتكرر أيضا مع استحضار حرب الابادة في رواندا و هذا الاجماع لدى صناع القرار مع حلول ذكرى تلك المجازرالتي اقترفها الهوتو في حق الاقلية التوتسي والتي أدت الى مقتل نحو مليون شخص على مدى مائة يوم في واحدة من أكثر الحروب دموية في اواخر القرن العشرين ..
ولعل في تزامن مذبحة سربرينيتشا و مذبحة رواندا ما يؤكد فشل المجتمع الدولي والعدالة الدولية في التصدي لجرائم الابادة ومعها الاخطر وهوالفشل في تطويق واجتثاث الثقافة العنصرية المبنية على الحقد والكراهية و رفض الاخر …ونجزم اليوم على أن دعوات و صرخات كبار قادة العالم في الامم المتحدة وفي مجلس الامن الدولي وهم يرددون أنه لا مجال للسماح بتكرار ما حدث اننا أزاء ديبلوماسية النفاق والرياء في عالم يدعي أن له قيم ومبادئ كونية مشتركة تسوده ولكن في الواقع أنه عالم يقوم على أغلبية مستضعفة وأقلية مهيمنة تعتقد أنها من يحسب على العالم أنفاسه وأنها تمنح حق البقاء والحرية والرفاهية لمن تشاء و تمنعه عمن تشاء .. و هي نفس الاقلية التي تتعاطى اليوم مع حرب الابادة في غزة بالامبالاة و الاستخفاف رغم أنها كانت تصرخ و تردد أنه لا يمكن لما حدث خلال المحرقة اليهودية على يد النازيين و ما حدث لمسلمي البوسنة وما حدث في رواندا ..اليوم يتضح مجددا أن شعارnever again أولا يمكن السماح بتكرار ما حدث لم يكن سوى شعارا يستهوي صناع القرار ممن يعتبرون أن العالم سيسجل ويدون ما يقولونه على أنها ترتقي الى المقدسات أو المسلمات ..
ولعل في احياء المجتمع الدولي الذكرى الثلاثين على مذبحة سريبرينتشا وهي أكبر جريمة حرب في قلب اوروبا واعتراف الدول الاوروبية بفشلها في منع المجزرة التي ذهب ضحيتها أكثر من ثمانية الاف من المسلمين في البوسنة على يد الصرب ما يؤكد أن العقلية ذاتها التي سادت العالم منذ اعلان ميثاق الامم المتحدة لا تزال قائمة وهي عقلية تقول غير ما تفعل وتقبل بأن يكون القانون الدولي والشرعية الدولية مجرد وسيلة لتحقيق مصالح الغرب القوي ..
مجددا شددت دول الاتحاد الاوروبي على ضرورة الاعتراف بالحقائق التاريخية ورفض أي محاولات للإنكارأوالتقليل من شأن الجريمة التي وقعت في سريبرينيتشا والتي أقرالقضاء الدولي بأنها إبادة جماعية…
رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين قالت في بيان في الذكرى الثلاثين للمجزرة “بعض الأحداث في التاريخ تلقي بظلالها التي تمتد عبر أجيال، والإبادة في سربرنيتسا أحد هذه الأحداث وهي من أحلك الفصول في الذاكرة الجمعية لأوروبا..
رئيسة البرلمان الأوروبي روبرتا ميتسولا، بدورها شددت في الذكرى على أن آلاف المسلمين البوسنيين تعرضوا للذبح والاختفاء والتهجير القسري من ديارهم، مضيفة أن “ما حدث في سربرنيتشا ينبغي ألا يتكرر مرة أخرى”.وسجل التصريحات والاعتراف بالذنب و المسؤولية لدى الاوروبيين لا يتوقف عند هذا الحد و لكن سيكون من الغباء و السذاجة الاخذ بهذه التصريحات مأخذ الجد لانها بكل بساطة تتناقض مع ما يحدث على أرض الواقع ومع تأكيد أوروبا والاجماع الحاصل بعدم السماح بتكرار ما حدث وعدم الاستفادة من دروس التاريخ لان ما يجري على أرض غزة منذ اثنين و عشرين شهرا دليل واضح على سياسة الاستخفاف بالشعوب و تحقير انسانية الانسان ..و كأن كل ما وقع من جرائم ابادة و تدمير تهجير و تجويع و خراب و حرق للاخضر و اليابس و تحويل لقطاع غزة الى مقبرة مفتوحة لم يكن كافيا لتحريك الضمير الانساني و دفع المجتمع الدولي لوضع حد لجرائم الحرب المستمرة في حق الشعب الفلسطيني و الدفع للضغط على كيان الاحتلال الاسرائيلي و محاصرته و فرض عقوبات اقتصادية و عسكرية ضده حتى جاء الاعلام عن خطة للاحتلال لاقامة معسكر في رفح لاعتقال الاهالي في تكرار لمعتقلات النازية و لكن مع اختلال مهم حيث تم وصف هذه المعتقلات بالمدينة الانسانية والحال أنه لا انسانية في هذه الخطوة الاجرامية الكارثية التي تشكل جريمة اضافية لكيان الاحتلال و عارا سيلاحق المجتمع الدولي الشريك والمتواطئ في هذه الابادة ..و في كل ذلك يواصل الرئيس الامريكي لعبة الهروب الى الامام و التلويح كلما سئل عن غزة أن انهاء الحرب بات قريب و أن المفاوضات تتقدم والحقيقة أنه لا شيء يتقدم غير الة القتل والابادة و أن كل ما يحدث أن هناك اتفاق غير معلن بمنح ناتنياهو مجرم الحرب الوقت الكافي للانتهاء من مخطته في غزة والتنصل من تبعات المحاكمات التي تلاحقه في الداخل و الخارج و ضمان الحصانة التي يسعى اليها مهما كان عدد ضحاياه …
صحفية وكاتبة تونسية