الاعتداء المستمر: تحقيق صحفي بمشاركة أكثر من مئة مسؤول إسرائيلي وعربي وأمريكي يكشف كيف أطال نتنياهو مدة حرب غزة مفضلاً البقاء السياسي، ويبرز مخاوف من بن غفير وسموتريتش. التحقيق يرد على ادعاءات الكيان ويثبت مصداقية حماس.

الاعتداء المستمر: تحقيق صحفي بمشاركة أكثر من مئة مسؤول إسرائيلي وعربي وأمريكي يكشف كيف أطال نتنياهو مدة حرب غزة مفضلاً البقاء السياسي، ويبرز مخاوف من بن غفير وسموتريتش. التحقيق يرد على ادعاءات الكيان ويثبت مصداقية حماس.

 

 

الناصرة – “رأي اليوم” – من زهير أندراوس:

وما أشبه اليوم بالبارحة: كشف تحقيقٌ صحافيٌّ موسّعٌ أعدته صحيفة (نيويورك تايمز) الأمريكيّة بالتعاون مع صحيفة (يديعوت أحرونوت) الإسرائيليّة، كشف النقاب عنّ أنّ رئيس وزراء الاحتلال رفض إنهاء الحرب بعد ستّة أشهرٍ من اندلاعها بسبب تهديد الوزيريْن العنصرييْن والمتطرفيْن، بتسلائيل سموتريتش وإيتمار غفير.

وطبقًا لمُعِّد التحقيق الإعلاميّ الإسرائيليّ البارز، رونين بيرغمان، والمعروف بصلاته الوطيدة مع المؤسسة الأمنيّة في تل أبيب، فإنّه بعد ستة أشهر من اقتحام مسلحي حماس غلاف غزة في السابع من تشرين الأوّل (أكتوبر) من العام 2023 بدا أنّ نتنياهو كان مستعدًا لقبول صفقة، مُشدِّدًا في الوقت عينه على أنّ كبار المسؤولين الأمنيين الإسرائيليين دعموا الصفقة. وزير الحرب آنذاك، يوآف غالانط، وكبار المسؤولين، وأعضاء المجلس الوزاريّ-الأمنيّ المُصغّر (كابينيت) الحربيّ، وجميعهم أوصوا بأنّ هذه فرصة لإعادة الأسرى إلى الكيان، حتى لو كان الثمن هو وقف الحرب، ونقل عن مصادره، التي وصفها بالمطلعة جدًا، قولها إنّه بعد سلسلة لا نهائية من النقاشات، تمّ إعداد مسودة لصفقة تبادل الأسرى مع حركة (حماس).

بالإضافة إلى ذلك، أوضح التحقيق الصحافيّ أنّ رئيس الوزراء نتنياهو كان مستعدًا لقبول حلّ وسط، وبعد إدخال التعديلات على نص المسودة، قال لأحد كبار المسؤولين الأمنيين أنْ ينقل الوثيقة للمفاوضين المصريين الذين كان قادة استخباراتهم ينتظرون بفارغ الصبر ردّ إسرائيل في مكانٍ آخر بمدينة تل أبيب.

وأردف الإعلاميّ الإسرائيليّ قائلاً، إنّه “في هذه المرحلة، كان على نتنياهو أنْ يكسب دعم الكابينت الكامل، ذلك الكابينت الذي يضم أيضًا سموتريتش وبن غفير. ووفقًا لصلاحيات الكابينت الحربيّ، لم يكن ملزمًا بالحصول على موافقتهما، لكنّه كان يعرف تمامًا مدى خطورة ذلك.

وتابع التحقيق أنّ نتنياهو أبقى الصفقة خارج جدول الأعمال المكتوب للجلسة، وكانت الفكرة طرحها فجأة، بهدف منع الوزراء المعارضين من تنسيق ردودهم.

وشدّدّ الإعلامي بيرغمان على أنّ الصفقة المقترحة كانت ستؤدي إلى وقف القتال في غزة لمدة ستة أسابيع على الأقل، كما كانت ستفتح نافذة لمفاوضات مع حركة (حماس) بشأن وقف إطلاقٍ نارٍ دائمٍ.

وطبقًا لما جاء في التحقيق، فإنّه بينما كان الكابينت يناقش قضايا أخرى، دخل مساعد بسرعة إلى غرفة الاجتماع حاملاً وثيقة تلخص الموقف التفاوضيّ الجديد لإسرائيل، ووضعها بهدوءٍ أمام نتنياهو. قرأها للمرة الأخيرة، وبدأ يشير إلى نقاط معينة بقلمه. كانت الطريق إلى وقف إطلاق النار محفوفة بالمخاطر، لكن بدا أنّه مستعد للمضي قدمًا.

وأشار التحقيق الصحافيّ إلى أنّ الوزير بتسلئيل سموتريتش قاطع المناقشة معلنًا أنّه سمع شائعات عن صفقة، مشدّدًا على أنّ التفاصيل أزعجته، قال لنتنياهو: “أريدك أنْ تعرف، إذا تمّ تقديم مثل هذه الصفقة الاستسلامية، فلن يكون لك حكومة بعد الآن. الحكومة انتهت”.

وأوضح التحقيق أيضًا أنّ الساعة كانت 17:44 بحسب بروتوكول الجلسة. في تلك اللحظة، اضطر رئيس الوزراء للاختيار بين فرصة وقف إطلاق النار وبين بقائه السياسيّ، أيْ رئيسًا للوزراء، واختار نتنياهو البقاء السياسيّ. “لا توجد خطة لوقف إطلاق النار”، وعد سموتريتش. “لا، لا، لا يوجد شيء كهذا”، قال.

وراجع التحقيق، الذي استند إلى مقابلاتٍ مع أكثر من 100 من المسؤولين في الولايات المتحدة وإسرائيل والوطن العربيّ، عشرات الوثائق، بما في ذلك محاضر اجتماعات الحكومة، والاتصالات بين المسؤولين، وسجلات المفاوضات، وخطط الحرب، وتقييمات الاستخبارات وسجلات المحاكم.

ولم يكن التحقيق الذي نشرته الصحيفة الأمريكيّة الأوّل من نوعه الذي يشير إلى أنّ نتنياهو أفشل محاولات الوصول إلى صفقةٍ لإنهاء الحرب في القطاع الفلسطينيّ المحاصر، حيث كانت صحيفة )هآرتس) العبريّة نشرت تقريرًا مماثلاً في تموز (يوليو) 2024.

يأتي ذلك بينما تزعم إسرائيل وحليفتها الولايات المتحدة مرارًا وتكرارًا بأنّ حماس هي مَنْ تقف عقبة أمام التوصل إلى تسويةٍ بشأن الحرب في غزة، وهو ما تنفيه الحركة دومًا بشكل قاطع.

وخلُص التحقيق إلى القول إنّه بينما استمر النقاش في الكابينت، انحنى نتنياهو بهدوءٍ نحو مستشاريه وهمس بما كان واضحًا لهم بالفعل: “لا تعرضوا الخطة”، على حدّ تعبيره.

ونشرت الصحيفة تعقيبًا رسميًا من ديوان رئيس الوزراء الإسرائيليّ على ما ورد حيث جاء: “خلافًا لما ورد في التحقيق، فإنّ رئيس الوزراء لم يعمل على البقاء في منصبه رئيسًا للوزراء، بل من أجل بقاء إسرائيل ومستقبلها، الخلافات مع القادة الأمنيين نبعت من عدم الموافقة على أمورٍ سياسيّةٍ وليس من دوافع تتعلّق بالائتلاف الحكوميّ”، واختتم الردّ بالقول “إنّه في العام 2024 لم تكُن هناك صفقة معروضة، وفق ما أكّده كبار المسؤولين في إدارة الرئيس الأمريكيّ السابق، جو بايدن، بسبب رفض حركة (حماس)”.