ناريمان عواد: مشاعر الحزن… الأجنحة المكسورة

ناريمان عواد
يطلّ العصفور على الشجرة صباحًا، فرحًا، مزهوًّا بطيب أهل البيت، يرقص مختالًا في مواسم الصيف والخريف والربيع والشتاء.
يغادر ثم يعود، يراقب المكان بزهوٍ وطمأنينة، تغمره أغصان الشجرة المتدلّية في هبوب الريح.
يختبئ من رذاذ المطر، ومن العواصف العاتية، لكنه لا يفقد خفّته، ولا قدرته على الغناء.
إنه عصفور بريء، لا يطلب سوى فسحة من ضوء، وسماء آمنة، وبيت صغير من دفء.
يحاول أن يحافظ على بقائه، رغم أنّ أجنحته الصغيرة قد تنكسر في لحظة هروب أو طيرانٍ مرتجف.
تحميه أمّه، تحتضنه بكل أسباب الحب والأمان، تبني له عشه بين الأغصان كأنها تبني له وطنًا صغيرًا من الحنان.
يفرح حين يجيء الربيع، تختال الشجرة بجمالها الأخّاذ، وتمنحه من ثمارها الوفيرة.
يرقص العصفور طربًا، ينثر زقزقته في الأرجاء، ويبدّد صمت الصباح بألحانه البريئة.
لكن فجأة…
يسقط الغناء، ويتحوّل الفرح إلى عويل.
تُقتلع الأشجار، وتُنهب الحقول، وتختنق السماء بدخان القذائف.
تُصادَر الفرحة، ويُختطَف الحلم، وتنطفئ اللمعة في الأفق.
يملأ الصراخ والعويل المكان،
ويقف العصفور متكسّر الأجنحة على نافذة البيت؛
لكن لا نافذة هناك،
ولا أبواب،
ولا حتى جدران.
كل شيء احترق،
كل شيء تبعثر.
تحترق أجنحته بنار أوقدها مستوطنٌ غادر،
أشعلها في زوايا البيت،
وفي زوايا القلب.
يغيب صوته الأخّاذ،
تذبل زقزقته،
ويخلد إلى نوم عميق،
كأنّه آخر ما تبقّى من هذا الوطن الصغير.