سعد الدالاتي: بعد اتفاق 10 مارس، ميليشيا قسد تحت ضغط دبابات الجيش السوري

سعد الدالاتي
رغم مرور أكثر من أربعة أشهر على توقيع اتفاق “عشرة آذار” بين الحكومة السورية الانتقالية برئاسة أحمد الشرع وقوات سوريا الديمقراطية (قسد)، لا تزال النقاط الخلافية الرئيسية عالقة دون اختراق حقيقي، بل تبدو الجولات اللاحقة أقرب إلى “مراوغة تفاوضية” من قسد، هدفها كسب الوقت دون تقديم تنازلات جوهرية في بنية سلطتها أو جهازها العسكري والأمني.
قسد تحاول الالتفاف.. بخطى بطيئة ومحسوبة
منذ توقيع الاتفاق، أظهرت قسد تحركًا بطيئًا ومنضبطًا، في ما يُشبه سياسة تقطيع الوقت، دون تطبيق ملموس لبنود الدمج العسكري والإداري التي نص عليها الاتفاق. بل إن ما تسرب مؤخرًا من كواليس المفاوضات يُظهر أن قسد تحاول الالتفاف على روح الاتفاق، من خلال السعي للحفاظ على “جسم خاص” داخل الدولة السورية، يتمثل في وحدات الحماية (YPG) والجناح الأمني (الأسايش) وهيكليات إدارية موازية.
تضارب دولي يزيد من غموض الموقف
المفارقة الكبرى أن المجتمع الدولي، الذي اعترف بشرعية الحكومة السورية الانتقالية ومنح الشرع دعمًا سياسيًا واسعًا منذ مطلع 2025، عاد ليُقرّ مساعدات مباشرة لقسد بقيمة 130 مليون دولار عبر حزمة دعم أميركية مُعلنة، مما يُضعف صورة وحدة القرار الغربي ويطرح تساؤلات عن الرسائل المتناقضة التي تتلقاها الأطراف السورية.
تركيا.. الحليف الغاضب واللاعب المترقب
على الجبهة التركية، يبدو أن أنقرة قد سئمت المناورة الطويلة مع قسد، خاصة بعد التفاهمات التي جمعتها مع الحكومة الانتقالية في دمشق بخصوص مناطق النفوذ، ومع اكتمال سيطرة “الجيش الوطني” الحليف لها على كامل الشريط الحدودي. تركيا اليوم تبدو أكثر استعدادًا للقبول بخيارات سورية جذرية تجاه قسد، لكنها في الوقت ذاته لا تريد لدمشق أن تُحكم قبضتها دون مقابل، وهو ما يُدخل ملف شرق الفرات في حقل ألغام تفاوضي شديد الحساسية.
الإعلام السوري الرسمي يسبق الحدث:
وضع قسد على مائدة الإخبارية السورية منبر الاعلام الرسمي في سوريا لا يبدو مستقلا حيث لم تعد تغطية الملف محصورة بالنقل أو التعليق، بل تحوّلت إلى “رسائل موجهة” وتهيئة نفسية للرأي العام لخطوة ما قد تكون وشيكة.
اللافت أن قسد لم تُطرح كـ”ملف سياسي مستقل”، بل جرى دمجها ضمن أطر أوسع، تُحمّلها مسؤولية فشل الاتفاق السياسي، ورفض الوحدة الوطنية، وتُضعف من شرعيتها أمام جمهور الداخل. يظهر ذلك جليًا من خلال استضافة محللين ومعلقين محسوبين على تيار الرئيس أحمد الشرع، الذين يقدّمون ما يشبه “مرافعات إعلامية” تُحرج موقف قسد وتُبرز الحكومة كطرف متعاون لم يُقابل بالمثل.
رسالة الخطاب الإعلامي واضحة: الحكومة السورية قد “مدّت يدها”، وقدّمت عرضًا سياسيًا متوازنًا، لكن الطرف الكردي (قسد) تعامل معه بالاستعلاء والتمنّع، وربما بالخداع، مما يفتح الباب أمام تبرير أي تصعيد محتمل بوصفه ردًا ضروريًا ومشروعًا.
بعض البرامج الحوارية التي بُثّت خلال هذا الأسبوع تُظهر ما يشبه “تسريبًا ناعمًا” لخطاب يتحدث عن نهاية التفاوض، وفشل الحوار، واستحالة بقاء كيان عسكري خارج بنية الجيش. وفي الوقت نفسه، يُصوَّر المكوّن العربي في شرق الفرات كـ”رهينة” بيد قسد، في إيحاء واضح بأن أي تحرك لاحق سيكون في جزء منه تحريرًا لأهله لا قمعًا لمكون.
باختصار، يبدو أن الإعلام السوري الرسمي لا ينقل الواقع فقط، بل يجهّز له الأرضية النفسية والسياسية،
الجيش السوري على خط التدخل.. متى وكيف؟
في ظل هذا الانسداد السياسي، عاد الحديث عن تصاعد احتمال التدخل العسكري من الجيش السوري في مناطق شمال شرق الفرات. التحركات الأميركية الأخيرة، التي شملت انسحابات من مواقع قريبة من خطوط التماس نحو قواعد أكثر عمقًا واستراتيجية، أثارت شكوكًا حول نية واشنطن بعدم التورط في صراع محتمل، وفتحت الباب أمام تقديرات تقول إن الجيش السوري قد يتقدم بغطاء “شرعي ودستوري”، خاصة بعد إقرار الإعلان الدستوري الذي يُعيد التأكيد على أن “سوريا دولة موحدة” لا تقبل التقسيم أو الفدرلة.
تصريحات الشرع تُمهّد للمواجهة
تصريحات الرئيس الانتقالي أحمد الشرع الأخيرة بشأن مناطق شرق الفرات كانت حادة وواضحة: لا قبول بالالتفاف على اتفاق “عشرة آذار”، ولا شرعية لأي فدرلة أو بنية عسكرية خارج المؤسسة الرسمية. هذه التصريحات تؤكد أن قسد قد أبلغت فعليًا نيتها الحفاظ على كياناتها داخل الدولة، وهو ما يُفسر ارتفاع نبرة الحكومة الانتقالية وخياراتها نحو الحسم.
المكون العربي: بيضة القبان في ميزان القوة
من العوامل التي ترجّح كفة الجيش السوري والحلفاء في أي مواجهة محتملة، هو استعداد جزء معتبر من أبناء العشائر العربية في دير الزور والرقة والحسكة للانخراط ضد قسد، خاصة في ظل استياء شعبي متزايد من ممارساتها وانفرادها بالحكم المحلي. هذا العنصر العشائري يشكل رافعة ميدانية مهمة يمكن أن تُحدث تفوقًا عسكريًا سريعًا لصالح القوات الحكومية إن انطلقت المواجهة.
لكن.. المخاوف من “فخ دولي”
رغم كل ذلك، لا تخلو الخيارات العسكرية من مخاوف حقيقية، أبرزها أن أي هجوم واسع النطاق قد يُستخدم لاحقًا ضد أحمد الشرع نفسه، باتهامه بـ”جرائم حرب” أو “قمع مكونات محلية”. كما أن تركيا، التي قد تبدو داعمة ظاهريًا، قد تنقلب على الشرع بعد الانتهاء من قسد، خاصة اذا طولبت بتقديم تنازلات لاجل ذلك فهي غير مضطرة، خصوصًا أن “الجيش الوطني” (سابقاً) المتحالف معها يُمسك حاليًا بكامل الشريط الحدودي شرقي الفرات، وبشكل من الاشكال لا يزال التواصل موجود وهذا يعد كافيا لقبول التضحية بالشرع
صحفي ومدون سوري