ما سبب تجدد تصعيد “أنصار الله” في البحر الأحمر؟

ما سبب تجدد تصعيد “أنصار الله” في البحر الأحمر؟

 

 

دبي ـ (أ ف ب) – استأنف الحوثيون هجماتهم على السفن التجارية في البحر الأحمر بعد هدوء استمر أكثر من ستة أشهر، في تصعيد مباغت يبعث إشارات مقلقة بشأن الهدنة مع الولايات المتحدة، ويهدد باضطرابات في حركة الملاحة والأسواق العالمية.
ونفّذ اليمنيون حملة عنيفة ليومين متتاليين، استهدفت سفينتي الشحن “ماجيك سيز” و”إيترنيتي سي”، قالوا إنها ترتبط بإسرائيل، ضمن حملتهم للضغط على اسرائيل للموافقة على وقف إطلاق النار في غزة.
كما يأتي التصعيد الحوثي في توقيت حرج، في ظل تدارس واشنطن وطهران استئناف محادثاتهما، عقب حرب عنيفة بين إيران وإسرائيل، وفي موازاة مفاوضات غير مباشرة بين إسرائيل وحركة حماس في قطر.
فما الدافع وراء تجدد الحملة الحوثية في وقت تزداد الضغوط على حلفائهم؟
– لماذا الآن؟ –
ينفي الحوثيون أي تغيير في سياستهم، إذ أكّد زعيم جماعة “انصار الله” عبد الملك الحوثي أن قرار منع الملاحة على إسرائيل في البحر الأحمر وخليج عدن والبحر العربي “حازمٌ حاسم ثابت مستمر”، في كلمة له بعد الحملة الجديدة.
ولم تتوقف “انصار الله” أبدا عن مراقبة العبور في البحر الأحمر، وفق ما شرحت الباحثة في معهد واشنطن نعوم ريدان، مضيفة أنهم كانوا يتعقبون بعض السفن التجارية باستخدام طائرات مسيّرة وقوارب، وأن استئناف هجماتهم “كان مسألة وقت فقط”.
وتُقدّم “انصار الله” التصعيد في البحر الأحمر كأداة ضغط على إسرائيل، تزامنا مع المفاوضات بشأن غزة في الدوحة.
وخاطب رئيس المجلس السياسي للجماعة مهدي المشاط المقاتلين الفلسطينيين بعد الهجمات الأخيرة على السفن، قائلا “فاوضوا مرفوعي الرؤوس فنحن معكم وكل مقدرات شعبنا سند لكم حتى رفع الحصار ووقف العدوان عنكم”.
ويرى محللون في تصريحات الحوثيين رسالة مبطنة مفادها أن إيران لا تزال تملك أوراقا لم تلعبها خلال حرب الـ 12 يوما.
وفي 13 حزيران/يونيو، شنّت إسرائيل حربا على إيران، نفّذت خلالها هجمات على مواقع عسكرية ونووية واغتيالات لقادة عسكريين وعلماء نوويين في الجمهورية الإسلامية.
وردّت إيران بإطلاق دفعات صواريخ ومسيّرات على دولة الاحتلال، فيما أعلن الحوثيون خلال الحرب عن هجوم واحد “تناسق” مع العمليات التي ينفذها الجيش الإيراني والحرس الثوري ضد إسرائيل.
وشرح الشريك المؤسس لمركز صنعاء للدراسات الاستراتيجية ماجد المذحجي أن “هذا تذكير من الحرس الثوري عبر أهم حلفائه” بأن ما تحفظت عنه إيران خلال حربها مع إسرائيل قد تقوم بتفعيله، في ممرات بحرية مثل باب المندب أو هرمز أو السويس.
– أي أهداف يسعون اليها؟ –
برز الحوثيون كآخر ركائز “محور المقاومة” المدعوم من إيران في مواجهة إسرائيل، بعد إضعاف قدرات حزب الله اللبناني وحركة حماس الفلسطينية، ثم إطاحة الرئيس السابق بشار الأسد في سوريا.
ويرى الباحث في شؤون اليمن من معهد “تشاتام هاوس” البريطاني فارع المسلمي أن التصعيد الحوثي “خطوة قوة من جانب الحوثيين، للتقدم أكثر في محور المقاومة وإبراز القوة على المستويين الإقليمي والدولي”.
وفي ظل تعهدهم المتواصل مواجهة اسرائيل، تسعى “انصار الله” إلى ترسيخ قوتها في المنطقة، لا سيما من خلال استهداف شريان بحري حيوي.
ويُظهر الهجومان الأخيران للحوثيين في البحر الأحمر توسّعا ملحوظا في التكتيك القتالي لجماعة “انصار الله”، إذ شمل استخدام زوارق هجومية سريعة ومسيّرات مفخخة وصواريخ صغيرة، ضمن هجمات مركبة متزامنة، من دون اللجوء إلى صواريخ بعيدة المدى حصرا.
وقال المسلمي إن الحوثيين تمكّنوا من تعزيز قوّتهم البحرية مدى العامين الماضيين، وأصبحوا “روادا في الحروب البحرية بتقنيات وأسلحة متطورة”.
وأوضح أن هجماتهم في البحر الأحمر “وسيلة فعالة للغاية للتسبب في نزف للغرب بأكمله ومعظم الشرق”، في حين أن الصواريخ التي يطلقونها على إسرائيل تُلحق “ضررا محدودا” فقط.
وكانت واشنطن شنّت حملة شرسة استهدفت مناطق سيطرة “انصار الله” في اليمن استمرت أسابيع، قبل أن ينهيها اتفاق لوقف إطلاق النار في 6 أيار/مايو بين الجانبين بوساطة عُمانية.
لكن يبدو أن الحوثيين تعافوا بسرعة، إذ يقول المسلمي “رغم التأثير الكبير للحملة الأميركية على قدرات الحوثيين في مجال الاتصالات وبعض القدرات العسكرية، فإنهم لا يزالون يملكون مخزونا ضخما وأعادوا بناء اتصالاتهم بسرعة”.
ورغم الهدنة مع الأميركيين، أكّد الحوثيون أن السفن الإسرائيلية ستبقى “عرضة للاستهداف” في الممرات المائية قبالة اليمن.
– ما مخاطر التصعيد؟ –
أجبرت هجمات الحوثيين شركات شحن عدة على تغيير مسارات سفنها، ما أدى إلى تقلص حركة الملاحة عبر قناة السويس، الممر الحيوي الذي يمرّ عبره عادة نحو 12 في المئة من حركة الملاحة العالمية، وفق الغرفة الدولية للشحن.
وقالت ريدان إن “معدل المرور عبر مضيق باب المندب لا يزال منخفضا مقارنة بعام 2023، فقد تقلّص بأكثر من 50 بالمئة”.
ولفت المذحجي إلى أن “إعادة تنشيط جبهة البحر الأحمر بطريقة غير مسبوقة وعنيفة سيصب في تعزيز سردية إسرائيل عن مخاطر الحوثيين وهي سردية لها جمهور واسع في العالم الغربي”.
وتردّ إسرائيل على “انصار الله” بتنفيذ عدة ضربات على مواقع سيطرتهم في اليمن، بما فيها الموانئ ومطار العاصمة صنعاء.
وقد تضع هذه الخطوة التصعيدية الحوثيين في مرمى ردود فعل أكثر حدة وتصعيد عسكري مضاد قد يكون أكثر اتساعا وشراسة، من أجل كسر قوة آخر حلفاء إيران في المنطقة.
وأضاف المذحجي أن التصعيد الحوثي سيفعّل خطط مواجهتهم، حتى تلك التي لم تنضج في السابق.
ودعا وزير الخارجية الإسرائيلي جدعون ساعر، في مؤتمر صحافي الخميس، أوروبا إلى “إعادة النظر في نهجها في التعامل مع هذا التهديد”، في إشارة إلى الحوثيين، مضيفا “إنه تهديد للسلم والأمن الدوليين وللاقتصاد. إذا لم يُواجه الحوثيون، فستتفاقم هذه المشكلة”.