عليان عليان: كمين بيت حانون يمثل طفرة نوعية في حرب الاستنزاف بعد معركة 7 أكتوبر 2023.

عليان عليان: كمين بيت حانون يمثل طفرة نوعية في حرب الاستنزاف بعد معركة 7 أكتوبر 2023.

 

عليان عليان
مع فجر الثلاثاء 8 يوليو/تموز 2025، كانت قوات الاحتلال على موعد مع هزيمة قاسية ومدوية  في مدينة بيت حانون شمال قطاع غزة، حين نفذت المقاومة الفلسطينية كمينا مركبا  في هجوم يُعد من أعنف وأدق الضربات منذ معركة السابع من أكتوبر 2023.
فهذا الكمين المركب غير المسبوق ، أرسى معادلة غير مسبوقة في تاريخ الحرب الصهيو أميركية منذ ما يزيد عن (641) ،وأعلنت المقاومة من خلاله أن  الكمين سطر مرحلة جديدة في حرب الاستنزاف ، ووضعت حجر الأساس لانتصار المقاومة وهزيمة العدوان  الصهيو أميركي الأطلسي .
لقد فقد العدو الصهيوني صوابه إثر هذه العملية النوعية التي، تحولت إلى حرب حقيقية استمرت عدة ساعات ، ورجال القسام صامدون في مواقعهم ، ليوقعوا فرق النجدة الآتية من أكثر من جهة في كمائن محكمة ، أسفرت عن مصرع وإصابة العشرات من جنود العدو ، في حين اعترف الناطق العسكري الصهيوني ، بعد تنخيل الأرقام بمصرع خمسة جنود وإصابة 14 جراح بعضهم خطيرة.
فنتنياهو أوقف اجتماعاته مع الإدارة الأمريكية ، لمتابعة معارك بيت حانون ، وهو مكسور الجناح معلنا أن الألم  يعتصر قلبه ، وعزاؤه أن هؤلاء الجنود قتلوا دفاعاً عن (إسرائيل) ولتحقيق أهداف الحرب ، بينما دخل أعضاء مجلس الحرب في فوضى تحميل المسؤولية ، ففي حين اتهم الوزير الصهيوني الإرهابي ” بن غفير” رئيس الأركان “إيال زامير” بالجبن وعدم الشجاعة ، رد  عليه زامير “بأنه يتحداه أن يصمد ويمكث يوماً واحداً في قطاع غزة ، وأنه إذا كسب الرهان سيقبل أن يكون زوجةُ لإبن غفير”.
لقد أصابت هذه  العملية المركبة  العدو في مقتل ، وكادت المقاومة أن تأسر بعض الجنود الصهاينة  ، إذ إنه وحسب  رواية أحد الجرحى من جنود الاحتلال  الذي يعالج في إحدى المستشفيات  ، ” فإن أحد أبطال القسام  تمكن من ( شحط – خطف ثلاثة جنود) بأسلحتهم  وجرهم إلى غرفة في ميدان المعركة ،وتقييدهم من أجل أسرهم ، لكن تطورات المعركة والقصف المدفعي والجوي الكثيف، دفعه إلى إطلاق النار عليهم جميعاً، وقتل اثنين منهم في حين أصيب الثالث بجروح خطيرة”>

فهذا الكمين  ثلاثي الأبعاد ، الذي استهدف كتيبة نيتساح يهودا من طائفة الحريديم ، وهو الثالث الذي تتعرض له في بيت حانون، وهذه المعارك الظافرة في إطاره انطوى على أهمية بالغة من الزوايا التالية :
1-أن العملية تمت في منطقة اعتبرها العدو آمنة ، بعد أن اجتاحها عدة مرات ودمر مبانيها  وزعم أنه دمر أنفاقها ، وسبق لقوات الاحتلال أن سيطر على مدينة بيت حانون عدة مرات ومشطت المنطقة جوا وبراً ،  فجاءت العملية لتشكل له صدمة كبرى ، فالجنود كانوا يسيرون في المنطقة التي اعتبرها آمنة بثقة بعيداً عن المفاجآت ، فكان الكمين المركب الذي اصطاد الجنود والآليات  بالعبوات الناسفة  وغيرها من أسلحة المقاومة ، حيث اعترف العدو بأن العبوات أدت إلى مصرع (27) جندياً من أصل (38) جندياً جرى قتلهم في غضون أقل من شهرين.
2- أن هذه العملية الكبرى ليست معزولة عن سابقاتها ،من حيث كم الخسائر التي وقعت في صفوف قوات الاحتلال ، فقد سبقتها عمليات مركبة كثيرة أوقعت في صفوف قوات الاحتلال خسائر كبيرة ، نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر  ،  تفجير العربات المدرّعة في خان يونس وحرقها بمن فيها من الجنود التي نفذها أحد أبطال القسام ، أو تلك التي وقعت في “مربّع الهدى “في حي الشجاعية قبل أيّام عدة،  التي نفذها مقاتلون من سرايا القدس والتي تميّزت بجرأتها واستمرارها لفترة زمنية طويلة، التي أدت إلى مصرع عدد كبير من الجنود الصهاينة.
3- أن هذا الكمين المركب  ثلاثي الأبعاد ، شكل تطوراً استراتجياً في المواجهة بين المقاومة وبين قوات الاحتلال ،من زاوية قدرة المقاومة على خوض معارك ليلية ، ومن زاوية القدرة الهائلة على الرصد  وكذلك تكتيكات القتال التي لا تكتفي بالكمائن، بل القيام بشن إغارات على قوات العدو والاشتباك معها بشكل مباشر لعدة ساعات.
4-كما أن  هذا الكمين وفق تقدير العديد من المراقبين، أربك حسابات القيادة السياسية، وأعاد طرح سؤال مصيري: هل أدخلت المقاومة الفلسطينية( إسرائيل) مرحلة “كسر الردع” فعليًا؟ وما موقع هذا التحول في خريطة الحرب والمفاوضات معا؟
5- هذا الكمين غير المسبوق ، ألقى بكرة اللهب في حضن المفاوض الإسرائيلي في الدوحة وفق رسالة مؤداها أن شروطكم لتدمير حماس وبقية فصائل المقاومة ، وتحرير الأسرى بالقوة المسلحة أمر غير ممكن بل مستحيل ، وأن عنتريات نتنياهو في واشنطن بأنه سيقبل بهدنة أل (60) يوما لإنقاذ نصف الأسرى ، ثم معاودة الحرب لن يمر  ، وأن الكلمة باتت الآن في الميدان الذي يشهد انتصارات المقاومة الملاحقة، وهزائم قوات الاحتلال المتكررة وهروبها من الميدان.
6- هذا الكمين وضع حداً لخطة عربات جدعون التي وضعها رئيس الأركان ” إيال زامير” التي أعدها بطريقة تضمن عدم إيقاع خسائر في صفوف قوات الاحتلال ، لكن عربات جدعون – كما قالت  كتائب القسام في بيان لها -احترقت بمن فيها، والمقاومون يواصلون المواجهة بنديّة رغم الجوع والحصار” ، وجاءت مخرجات كمين بيت حانون  والكمائن السابقة ، لتؤكد أن ” خطة حجارة داوود” التي وضعتها المقاومة أفشلت بالملموس خطة ” زامير” من  خلال رفع الكلفة البشرية لقوات الاحتلال بشكل غير مسبوق.
ولم تكتف المقاومة  بهذه العملية النوعية بل راكمت عليها عمليات نوعية أخرى في خان يونس وغزة وجباليا، موقعةً في قوات الاحتلال خسائر كبيرة ، ومن ضمن هذه العمليات محاولة أسر جندي صهيوني هرب من إحدى الآليات إلى أحد المنازل المهدمة ، دون أن يطلق طلقة واحدة من سلاحه ، فكان أن وقع بيد أحد رجال المقاومة ، لاصطياده أسيراً ، لكن تطورات القصف المدفعي حالت دون ذلك ، واكتفت المقاومة بقتله ، وهذه العمليات النوعية دفعت وسائل الاعلام الإسرائيلية لأن تعترف بشجاعة وجرأة المقاتل الفلسطيني ، والغمز من جبن الجندي الصهيوني.
وأخيراً : لقد أصاب الناطق الرسمي باسم كتائب القسام  ” أبو عبيدة ” كبد الحقيقة ، حين قال أن معارك بيت حانون أذلت قوات الاحتلال ودمرت هيبته ، وأنّ صمود الشعب الفلسطيني وبسالة مقاوميه هما حصراً ما يصنعان المعادلات ،ويرسمان معالم المرحلة المقبلة” فالمرحلة المقبلة ستشهد في ضوء تراكم الخسائر البشرية في  صفوف قوات الاحتلال ، وفي ضوء انعكاس هذه الخسائر على الداخل الإسرائيلي ، وتفاعلها مع أزمات الكيان والانقسام الذي بات يحصل بين المؤسسة العسكرية والسياسية ،  كل ذلك سيخضع قيادة الكيان إن آجلاً أو عاجلاً لشروط المقاومة ،ممثلة بوقف العدوان وانسحاب قوات الاحتلال من القطاع وإدخال المساعدات بشكل غير مشروط ،وإنجاز صفقة تبادل عادلة للأسرى، والشروع في إعادة إعمار قطاع غزة.
انتهى