د. معن علي المقابلة: نتنياهو.. قائد فريد أم بداية الزوال؟

د. معن علي المقابلة: نتنياهو.. قائد فريد أم بداية الزوال؟

 

 

د. معن علي المقابلة

بعد الضربة التي نُفذت ضد إيران، وعدوانه المستمر على غزة، تعالت أصوات في الإعلام الغربي وبعض الأوساط الإسرائيلية تصف بنيامين نتنياهو بأنه بات “زعيمًا استثنائيًا”. الرجل الذي نجح – وفق هذا الطرح – في تحقيق حلمه القديم، المتمثل في جرّ الولايات المتحدة إلى صدام مباشر مع إيران، بعد سنوات من التحريض المتواصل، وتقديم طهران على أنها التهديد الوجودي الأول للكيان.
لكن هذا التوصيف، في رأيي، ليس سوى قراءة سطحية تغفل السياق الأشمل، وتُخفي تحت طبقة من “النجاحات العسكرية” هشاشة سياسية وأمنية متفاقمة داخل الكيان.
نتنياهو لم يُظهر قوة الكيان، بل عرّى نقاط ضعفه. لم يكن العدوان على غزة، ولا الضربة ضد إيران، استعراضاً للهيمنة بقدر ما كان تعبيراً عن أزمة وجود. كلتا المغامرتين – في غزة وطهران – كشفتا ارتباك القرار السياسي وتخبط المؤسسة الأمنية، وعجزها عن بناء استراتيجية خروج أو تحقيق نصر
لنتأمل اللحظة: غزة تحترق، لكن المقاومة لم تُكسر، بل أصبحت أكثر صلابة، وأكثر جرأة في مراكمة القوة والردع. إيران ضُربت، لكن برامجها لم تُوقف، وردّها جاء محسوبًا ومؤلمًا في آن. أما الداخل الإسرائيلي، فهو يغلي بصمت؛ توترات داخلية، احتجاجات متصاعدة، انقسام عميق في الرأي العام حول جدوى هذه الحروب وقيادة نتنياهو.
منذ السابع من أكتوبر، دخل الكيان في مرحلة جديدة. كانت تلك اللحظة أشبه بصفعة تاريخية، ليس فقط لأنها كشفت ضعف المؤسسة العسكرية، بل لأنها أسقطت وهم “الأمن المطلق” الذي طالما تغنّى به ساسة الكيان. ولعل أكثر ما فضحته هذه اللحظة، هو الخلل البنيوي في العقيدة الأمنية والسياسية التي رسّخها نتنياهو لعقود.
وبدلًا من مراجعة شاملة، اختار نتنياهو الهروب إلى الأمام: عدوانٌ متواصل على غزة، وتصعيدٌ مع إيران، وتحالفٌ أكثر التصاقًا باليمين المتطرف والفاشية.
نتنياهو، في سعيه للبقاء السياسي، لم يكتفِ بإشعال الحروب الخارجية، بل قاد أيضًا حربًا داخلية صامتة ضد أسس النظام السياسي الذي قام عليه “الكيان”. دولة تُسوّق نفسها على أنها واحة الديمقراطية في الشرق الأوسط، تتحول تدريجيًا إلى دولة دينية قومية، يُقصى فيها كل من لا ينتمي للهويّة اليهودية الصهيونية الصلبة.
التحالف مع التيارات الدينية المتطرفة، وقوانين “القومية”، ومحاولات تقويض استقلال القضاء، كلها مؤشرات على انحراف خطير عن المشروع الأصلي الذي تصوّره المؤسسون الأوائل، حتى ضمن المنظور الصهيوني ذاته.
هذا الانحراف لا يهدد الفلسطينيين وحدهم – وهم الضحايا الأوائل – بل يضرب في الصميم البنية السياسية والاجتماعية للكيان. فاليوم، لا حديث عن دولة مواطنين، بل عن “دولة يهودية” تقصي الآخر، وتُعلي من شأن العنصرية والفوقية الدينية، بل وتشرعنها قانونيًا.
تراكم هذه الأزمات – السياسية، والعسكرية، والاجتماعية، والاقتصادية – يفتح الباب واسعًا أمام مرحلة ما بعد نتنياهو، ليس فقط كشخص، بل كمشروع. فالرجل لم يكن مجرد رئيس وزراء، بل كان مُهندسًا لرؤية كاملة أعادت تشكيل النظام في الكيان الصهيونى باتجاه أكثر يمينية، وأكثر فاشية.
ومع سقوط هذه الرؤية أو تعثرها، سيُعاد طرح الأسئلة الكبرى: هل ما زال هذا الكيان قادرًا على الاستمرار؟ ما مستقبل علاقته بيهود العالم، وباليهود غير المتدينين، وبالعرب داخل الخط الأخضر، وبالطوائف الشرقية والمهمّشين؟ وهل تستطيع دولة قائمة على التفوق الديني والقومي أن تصمد طويلًا في محيطٍ يرفضها، وشعبٍ تحت الاحتلال لا يزال يقاومها، وحلفاء دوليين بدأوا يراجعون علاقتهم بها تحت ضغط الرأي العام؟
قد لا تنهار “إسرائيل” غدًا. لكن الأكيد أن المشروع الصهيوني لم يعد كما كان. فقد فقد هيبته، وزعامته، وتماسكه الداخلي. ونتنياهو – الذي يراه البعض زعيمًا استثنائيًا – قد يكون، في نظر التاريخ، هو من قاد هذا المشروع إلى بداية نهايته.
باحث وناشط سياسي/ الأردن
[email protected]