مسرحية اجتماع ترامب ونتنياهو: الجناح الغربي – عندما يُحدد مصير غزة في غرفة واحدة

مسرحية اجتماع ترامب ونتنياهو: الجناح الغربي – عندما يُحدد مصير غزة في غرفة واحدة

زياد فرحان المجالي

في قلب البيت الأبيض، وتحديدًا داخل الجناح الغربي، لم يكن الاجتماع الثاني بين دونالد ترامب وبنيامين نتنياهو مجرد جلسة متابعة، بل لحظة إعادة كتابة للمشهد، بحبرٍ خفي وأقلامٍ بلا صوت. لم تُنقل الكاميرات، ولم تُصدر البيانات. لكن الخرائط تغيّرت، والوجوه التي حضرت كانت تدرك أن ما يُرسم على الطاولة الصغيرة سيهزّ المنطقة بأكملها.
نتنياهو دخل الجناح الغربي بوجه الزارع، لكنه لم يكن يحمل بذورًا، بل تعليمات. وفي ذلك الصمت الأميركي المدروس، كُشفت أوراق ما بعد النار: غزة ليست مجرد ساحة معركة، بل ورقة ملك في رقعة التحالفات الجديدة.
الاجتماع الأول في الثامن من تموز كان علنيًا، بروتوكوليًا، مرّ سريعًا أمام عدسات المصورين، ليُعطي الانطباع بأن الأمور تحت السيطرة. لكن الحقيقة بدأت في اليوم التالي، حين انعقد الاجتماع الثاني بصمت، وتم فيه ما يشبه التوقيع الرمزي على صفقة أكبر من غزة وأخطر من تهدئة. كل ما جرى لاحقًا من تسريبات، سواء عن هدنة الستين يومًا، أو ترتيبات ما بعد حماس، لم يكن إلا تفريغًا تدريجيًا لما تقرر في تلك الغرفة.
وفق مصادر متقاطعة، فإن الجلسة تركزت حول تقسيم المسؤوليات بين الأطراف الجديدة في ملف غزة، من يدير، من يمول، من يراقب، ومن يعاقب. الموافقة الإسرائيلية على إخراج قيادة حماس إلى الخارج جاءت مقابل وقف المقاومة داخليًا، وتسهيلات اقتصادية مدروسة. طلب نتنياهو المباشر من ترامب التدخل لتسريع رفع العقوبات عن سوريا لم يكن خطوة فردية، بل جزءًا من ترتيبات إعادة الانتشار في الجنوب. الضمانات الأميركية الإسرائيلية الخليجية كانت حاضرة لبقاء غزة منطقة اقتصادية غير مسلحة لعقد كامل على الأقل. أما مشروع تدمير الأنفاق فبدأ يُصاغ بغطاء البنية التحتية، وبتمويل معلن لكنه موجه.
ما يُعدّ الآن، ليس مجرد إعادة إعمار، بل إعادة حفر. الأنفاق التي استعصت على الطائرات سيتم اختراقها بجرافات تحت اسم التنمية. وكل أساس لمشروع سيتم زرعه في عمق الأرض لتدمير ما تبقى من البنية العسكرية. وهكذا يتحول العمران إلى سلاح، والشركات إلى فرق نزع سلاح.
الاجتماع الثاني لم يناقش غزة بمعزل عن محيطها. الجنوب السوري كان حاضرًا بخريطة إعادة انتشار تتضمن رسائل إيجابية للشرع مقابل إعادة ضبط المربعات الأمنية. ملف إيران لم يغب، بل طُرح كمسار تفاوضي جديد دون ضجيج. الضغط العسكري يُخفض مقابل تهدئة معلنة، ومجال محدود لتطوير البرنامج النووي في الظل. الضفة الغربية ظهرت امتدادًا مباشرًا، حيث المخيمات إلى التفكيك، والمنطقة “سي” إلى الضم التدريجي.
أخطر ما في السيناريو ليس ما كُتب في الغرفة، بل من سينفذ خارجه. من هي السلطة الجديدة التي ستدير غزة، ما طبيعة القوى التي ستُسلّم، وهل هناك من سينفذ بلا مقاومة؟ الصفقة ليست مشروعًا سياسيًا فقط، بل هندسة بشرية واجتماعية، تقوم على تحويل الفلسطيني من فاعل مقاوم إلى موظف مشغول براتبه.
لكن في غمرة الحسابات، نُسي أمر واحد. فلسطين لا تُدار من فوق، ولا تُصاغ من غرف مكيفة. الغرف الزرقاء لا تنتصر دائمًا، ولو صمتت البنادق مؤقتًا. من يظن أن غزة ستروض بمشروع، أو تُهدأ بإغراءات، لم يفهم بعد أن غزة ليست قضية جغرافيا، بل ذاكرة ودم وعقيدة لا تُشترى ولا تُقايض.
المرحلة المقبلة ستكون اختبارًا للوعي أكثر من القوة. ومن يعتقد أن ما كُتب في الجناح الغربي هو الخاتمة، عليه أن ينتظر. فصول المفاجآت لم تبدأ بعد.
كاتب اردني