زياد فرحان المجالي: من المطار إلى الأبد… القاذف تراب: نتنياهو بين الانحدار السياسي ومستجدات التطبيع العلني

زياد فرحان المجالي
في لحظة درامية بدت كأنها مصممة للكاميرا أكثر مما هي للقرار، وقف بنيامين نتنياهو في مطار بن غوريون يعلن دون رجفة صوت أنه “قضى على حماس”، ثم صعد طائرة أقلّته إلى واشنطن، لكن الحدث الحقيقي لم يكن في التصريح، بل في الرفقة غير المسبوقة: السفير الأميركي كان معه في الطائرة ذاتها، في سابقة لم تسجل من قبل، لا في زيارات رؤساء الحكومات الإسرائيلية إلى واشنطن، ولا في قواعد الدبلوماسية التي تترك دائمًا مسافة رمزية بين الراعي والمرعي، بين القوة العظمى والحليف المنفلت، بين مركز القرار الأميركي وبين من يسير خلفه مضطرًا لا طائعًا
هذه الطائرة حملت في جوفها معاني أبعد من مجرد تنسيق، كانت إشارة صريحة بأن زيارة نتنياهو إلى واشنطن لم تأتِ من موقع شراكة متساوية، بل أقرب إلى استدعاء خاضع، لمحاسبة غير معلنة، محمولة بابتسامات رسمية وكلمات منمّقة. الرسالة واضحة: واشنطن ليست غاضبة فقط من عناد نتنياهو في غزة، بل أيضًا من تعطيله لملف التطبيع، ومن تحويل كل مبادرة إلى فرصة للبقاء السياسي، وكل هدنة إلى فخ داخلي، وكل جبهة إلى ورقة انتخابية
المصادر الأميركية تشير إلى أن بايدن أمهله أسابيع لإنهاء الحرب، ولم يلتزم، ثم أرسل مدير الـCIA، ولم يلتزم، ثم تم تمرير مقترح هدنة مشروطة، ومع ذلك واصل نتنياهو التلاعب بالألفاظ، بينما كانت غزة تحترق، والسعودية تراقب، والداخل الإسرائيلي يتآكل من فرط الخسائر وفشل الأهداف المعلنة. الطائرة المشتركة جاءت لتقول: هذه آخر الفرص، وأنت لا تملك ترف الرفض بعد الآن
في واشنطن، لا يتم النقاش فقط حول إنهاء الحرب، بل إعادة إطلاق مسلسل التطبيع العلني مع السعودية، والذي يرى فيه البيت الأبيض ضرورة استراتيجية لكبح إيران، وتحقيق استقرار سياسي واقتصادي في المنطقة، وتسجيل إنجاز دبلوماسي قبل الانتخابات الأميركية. لكن المشكلة لم تعد سعودية، بل إسرائيلية. فـالرياض مستعدة للانخراط في مسار علني بشرطين: ألا يكون التطبيع مجانًا، وألا يكون على يد حكومة لا تستطيع تقديم أي شيء للفلسطينيين سوى القصف. ونتنياهو، تحت ضغوط بن غفير وسموتريتش، لم يعد قادرًا حتى على التصريح بنوايا سياسية، فضلًا عن تقديم خطوات ملموسة
من هنا، تُطرح الأسئلة الكبرى: هل يمكن لنتنياهو أن يتنازل الآن؟ هل يستطيع أن يقدم للبيت الأبيض ما يحفظ ماء وجه بايدن، ويمنح بن سلمان مخرجًا مشرّفًا للتطبيع، دون أن يخسر ائتلافه أو يتحطم داخل الكنيست؟ أم أن الرجل قد دخل فعلًا في المرحلة الأخيرة من زعامته، وأصبح مشروع رحيله مطروحًا في عواصم القرار، كما في غرف التحقيق؟
ما يهم فعليًا في هذه المرحلة ليس إعلان وقف إطلاق النار، بل ما إذا كانت إسرائيل ستعيد هيكلة أولوياتها، وتخرج من حالة الحرب المزمنة إلى مشروع سياسي قابل للعيش. ونتنياهو، الذي يظن أن بإمكانه خداع الجميع في آنٍ معًا، ربما يكتشف أن الطائرة التي حملته إلى واشنطن ليست بداية عودة، بل بداية غروب، وأن التطبيع، إن حصل، سيكون عنوانًا لمرحلة ما بعده، لا لمرحلة صعوده,
فمن المطار… تبدأ رحلة لا عودة منها
إلى الأبد القاذف تراب
كاتب اردني