محمد المخلافي: تحليل لقصيدة “ذنوب الآلهة” للشاعرة التونسية دنيا الزرلي

محمد المخلافي
ذنوب الآلهة
يجمعنا الورع الضال في الفراش
يشتعل الحرف في جذع شجرة
سأبدأ بإراقة حبر الشهوة
على بياض اللّذة
اللّذة منصّة لا آخر ولا قدّام لها
تطوف اللغة حولها خاشعة
أمام شهوتين
يجعلني تفاحة
بمذاق شهي
يأكل من التفاحة ولا تنتهي
حتّى يتطهّر الجسد
من ذنوب صغيرة
تتجمّع بين قُبلتين.
افتّش عن ثقب في الذاكرة
أتسرّب منه
وأحمل جنازة العالم
اتعجل الخطى إلى جسدي
ينتصب القصيد عاريا ألاّ من ذنوب احبّها
يحيّ على الجمال
يصلّي جماعة مع طاغور ولوركا
يسبّح بحبات الرّمان على حدّ الحنجرة
تغيّم الأسئلة
فتتدحرج التفاحة
من فكرة نيوتن عن الأرض
وهي تبحث عن الحرف التاسع والعشرين
الذي أهمله الشعراء
تمزّق أصابعي غشاء البياض المفقود
على سرير النسيان
كفّي عالم مفتوح
وكلّ من حولي مغلق بإحكام
وحدها شهقة الحنين
تفتحني ببطء
تفيض اللّغة ويطلّ عاشق
يخترق شهوتي المرتبكة مثل القبلة الأولى
شهوتي المتلألئة مثل فرحتي الأولى
شهوتي المتأججة مثل شهقتي الأولى
وتصطدم صرخة مرة في سقف وحدتي،
وأرى
شهوتي المهشّمة مثل خيبتي الأخيرة
..
هل أحدثكم عن طعم الرماد في حلقي؟
هل أصف لك لوعة الرّحيل في كفي؟
أدور في مكاني مثل طفل يتيم
مثل حقيقة حزينة
مثل وهم بلا يقين
أبحث عني لا اجدني
واسقط في أرض رخوة
فيبتلعني العدم
أين الأمل؟
أين الطريق الذي يؤدي إلى الطريق
أين الأرض التي تقربني من السّماء
أين اللغة التي. تمنحني المعنى
أين المعنى الذي يرتب الكون
انظر ت إلى القطرة الأخيرة في الكأس
وأسمع الصمت الجليل يخيّم على المكان
أسمع السكون البديع يمتدّ في الزمان
أسمع نبض قلبي في القصيدة.
ذات فقد
———————–
بعد قراءة القصيدة ذنوب الآلهة لدنيا الزرلي، شعرت بأنني أبحر في أعماق تجربة إنسانية غنية ومعقدة. تقدم الشاعرة رؤية عميقة عن الشهوة، الفقد، والبحث عن المعنى.
تبدأ الزرلي بنقلنا إلى حالة من الورع الضال، حيث يجتمع الدين والرغبة في مشهد متناقض. هذه العبارة تثير تساؤلات حول كيف يتصارع الإنسان مع رغباته الروحية والجسدية. إن الصورة التي ترسمها تعكس الصراع الدائم الذي يعيشه الكثيرون، وهو صراع أعتبره جزءاً أساسياً من التجربة الإنسانية.
عندما تتحدث عن اللذة، تقول:
( اللّذة منصّة لا آخر ولا قدّام لها )
هنا، تعكس الشاعرة كيف أن اللذة ليست مجرد لحظة عابرة، بل حالة متواصلة تتداخل مع وجودنا. وهذا يدفعني للتفكير في معنى اللذة في حياتنا، وكيف أنها قد تكون مفرحة ومرهقة في الوقت نفسه.
ثم تتناول موضوع الحنين، حيث تصف شعوراً عميقاً بالفقد من خلال صورة
(أدور في مكاني مثل طفل يتيم).
هذا التعبير قوي جداً، فهو يعبّر عن الوحدة والعزلة التي يمكن أن يعيشها الإنسان حتى في زحمة الحياة. كم هو مؤلم أن نشعر بأننا في عالم مليء بالناس، لكننا نكافح للعثور على من يفهمنا.
وفي نهاية القصيدة، تطرح الشاعرة أسئلة وجودية تلامس القلوب:
(أين الأمل؟ أين الطريق الذي يؤدي إلى الطريق؟)
أعتقد أن دنيا الزرلي نجحت في دمج مشاعر عميقة مع أسئلة عن الحياة والوجود. قصيدتها ذنوب الآلهة تعبر عن بحث دائم عن المعنى في عالم مليء بالتناقضات. تعبيرها عن الشهوة والحنين والوحدة يجعل القارئ يتصل بتجربتها في أي زمن.
كاتب وباحث من اليمن