محمود كامل الكومي: الجميع يزعم ارتباطه بفلسطين… وليلى لا تعترف لهم بذلك

محمود كامل الكومي
“كلٌّ يدّعي وصلاً بليلى،
وليلى لا تُقرّ لهم بذاك…
فإذا التقت الدموع بالمآقي،
تبيّن من بكى ممن تباكى”
بهذه الأبيات الخالدة، يُفصح الشعر العربي عن حقيقة تتجاوز الزمان والمكان، وتُلقي بظلالها على واقعنا السياسي البائس؛ حيث يدّعي حكّام العرب الوصل بفلسطين، ويزايدون على حبّ غزة، لكن حين تبكي الأرض دماً، وتتساقط البيوت على رؤوس أصحابها، تنكشف الوجوه، وتظهر العيون الجافة من الدموع، ويُفرَز الصادق من المتاجر.
غزة، الجرح المفتوح، والنبض العربي المستباح، تتألم تحت الحصار، والعدوان، والتجويع، بينما تعلو الأصوات العربية الرسمية بخطابات جوفاء، وبيانات شجب، وتغريدات التضامن السطحي. كلٌّ يقول: “أنا مع فلسطين”، لكن فلسطين لا تقرّ لهم بهذا الوصل، لأن الوصل فعل لا قول، دم لا تصريح، تضحية لا تنسيق أمني.
تتأمّل غزة هذا الموكب من الخطب والمبادرات، وتدرك أنها وحيدة، إلا من دمها وصمودها… وحين تبكي غزة، تتبيّن من بكى ممن تباكى.
وحده جمال عبد الناصر كان ذلك الحبيب الصادق، الذي لم يُزايد على فلسطين، بل خاض لأجلها معارك، ودفع ثمنًا غاليًا من تاريخه، وسُمعته، ومكانته. لم يكن ناصر يتغنّى بفلسطين في المهرجانات، بل حارب سفارة إسرائيل في طهران وكان بالمرصاد، لشاة إيران حليف الصهاينة ٫وفتح قلب القاهرة لكل أهلنا في فلسطين، وحارب الأحلاف الغربية لأنها كانت تسعى لخنق قضية العرب الأولى.
عبد الناصر لم يتاجر بالدم الفلسطيني، بل اعتبره امتدادًا لدماء المصريين والسوريين والجزائريين. لم يُرد أن تكون فلسطين ورقة في جيب التفاوض، بل جرحًا في قلب الأمة لا يندمل إلا بالتحرير.
واليوم، يتاجر بعضهم بليلى..- كما يفعل نظام الشرع في سورية الآن. ويبيعها في بازار السياسة، ويمنّ عليها البعض بالفتات، ثمّ يزعمون أنهم عشّاقها. بينما ليلى –فلسطين– لا تعرف إلا من احتضن جرحها، ورفض التصالح مع قاتلها، وسار في درب المقاومة، مهما اشتدّ الظلام.كما تفعل إيران والحوثيون وحزب الله.
غزة لا تبحث عن كلمات حبّ، بل عن من يسندها عند الانهيار، عن قائد لا يخشى في الحق لومة لائم، عن من لا تُحرّكه “الخزائن” بل تُحركه القيم.
فيا عرب… كفّوا عن التباكي، فإن المآقي لا تكذب، وإن ليلى تعرف عاشقها الحقيقي، ولن تمنح قلبها إلا لمن بكى بصدق، ومشى على الشوك من أجلها، ورفع رايتها في ساحات الحرب لا الموائد الدبلوماسية.
كاتب ومحامي-مصري