المسودة الأولية لخطة التهدئة بين حركة حماس والحكومة الإسرائيلية في قطاع غزة تركز على “إدارة” الأزمة بدلاً من إيجاد حل نهائي لها.

عمان ـ “راي اليوم” ـ زياد فرحان المجالي:
تنشر “رأي اليوم” نصًا جديدًا ضمن تغطيتها الخاصة لمسار المفاوضات الجارية، في ضوء المسودة الأولية لخطة التسوية بين حركة حماس والحكومة الإسرائيلية، بناءً على ما توافر من مصادر دقيقة ومطلعة على بنود الورقة المقترحة.
في مسودة الاتفاق التي طُرحت للنقاش بين الأطراف الراعية والضامنة، تنص البنود الأولية على إطلاق سراح عشرة أسرى إسرائيليين خلال فترة لا تتجاوز ستين يومًا. ويجري تنفيذ ذلك على مرحلتين: يتم الإفراج عن ثمانية أسرى خلال الأيام الأولى من سريان الاتفاق، فيما يُفرج عن الأسيرين المتبقيين خلال المدة المحددة، مع تسليم جثامين خمسة عشر إسرائيليًا قُتلوا خلال المعارك في غزة. وفي المقابل، تلتزم إسرائيل بالإفراج عن عدد من المعتقلين الفلسطينيين وفق نسبة تبادل محددة تم التوافق عليها، دون ربط العملية بصفقات لاحقة أو تفاهمات منفصلة.
كما تنص الخطة على أن تقدم حركة حماس معلومات وافية حول مصير بقية الأسرى الإسرائيليين الذين ما زال مصيرهم غير معروف، مع تعهد بضمان ظروفهم الصحية، بينما تطالب إسرائيل بإدخال طواقم الصليب الأحمر للاطلاع على أوضاعهم وتقديم الرعاية اللازمة. حتى اللحظة، ترفض حماس الاستجابة لهذا المطلب، وتصر على إبقاء الملف ضمن آليات داخلية خاصة.
وفي الجانب الإنساني، تنص الخطة على استمرار تشغيل مراكز المساعدات التي قامت، خلال الأشهر الماضية، بتوزيع ما يزيد عن مليوني وجبة يوميًا في مناطق القطاع المنكوبة. غير أن حركة حماس طرحت تحفظات على استمرار بعض المراكز بشكلها الحالي، معتبرة أن جزءًا منها يعمل بتنسيق غير مباشر مع جهات إسرائيلية، مطالبة بإعادة هيكلتها ووضعها تحت إشراف مشترك يضمن حيادها الكامل وعدم استغلالها لأغراض أمنية.
أما في ما يتعلق بالانسحاب الإسرائيلي من قطاع غزة، فتشير الخطة إلى أن العملية ستكون تدريجية ومقيدة بتقدم المفاوضات نحو تسوية شاملة، مع التركيز على التقدم الميداني في ملفات التهدئة، وإعادة الإعمار، والترتيبات الأمنية. إسرائيل، من جانبها، تطالب بالإبقاء على وجود محدود في بعض المحاور الحدودية، أبرزها ممر فيلادلفيا والمنطقة الشمالية المطلة على مستوطنة سديروت، بدعوى الحفاظ على الأمن ومنع تسلل السلاح أو الأفراد.
وتتناول الخطة كذلك مقترحًا بإدخال قوة دولية متعددة الجنسيات، تضم عناصر من دول عربية وأخرى غربية، لتتولى الإشراف على الوضع الأمني داخل القطاع، خاصة في مراحله الانتقالية. ورغم أن هذا المقترح يحظى بدعم بعض الوسطاء، إلا أنه يواجه رفضًا معلنًا من حركة حماس وعدد من الفصائل الفلسطينية، التي ترفض بشكل قاطع نزع سلاحها أو تسليمه، وتعتبره خطًا أحمر لا يمكن تجاوزه.
ويقترح الجانب المصري أن يتم تسليم السلاح إلى جهة محايدة خارج القطاع، مثل الأراضي المصرية، بشكل مؤقت، إلى حين التوصل إلى تسوية نهائية، إلا أن هذا الطرح لم يلقَ قبولًا حتى الآن من القوى الفلسطينية، التي ترفض أي آلية تخرج سلاح المقاومة من غزة أو تنزع السيطرة عنه.
وفي ما يتعلق بملف الأنفاق، لا تزال الخلافات قائمة، إذ ترفض حماس تسليم خرائط المواقع أو أي معلومات تفصيلية حول البنية التحتية العسكرية تحت الأرض، وتصرّ على أن هذا الملف لا يمكن إدراجه في المرحلة الحالية من الاتفاق، باعتباره جزءًا من منظومة الردع التي لا يمكن التفاوض عليها في ظل استمرار الاحتلال والعدوان.
بهذا الشكل، تبقى المسودة الحالية قيد التفاوض والتعديل، فيما تتعثر المباحثات حول البنود الأكثر حساسية، وسط ضغوط إقليمية ودولية لدفع الأطراف نحو اتفاق شامل يُنهي الحرب ويضع أسسًا لمرحلة جديدة في قطاع غزة.
ما يتكشّف من تفاصيل هذه الورقة، أن المعركة لم تعد على الأرض فقط، بل انتقلت بالكامل إلى الميدان السياسي التفاوضي. لا تطرح الخطة حلولًا نهائية بقدر ما تقدّم ممرًا هشًا نحو “إدارة” الأزمة بدل حلها، وهي بذلك تعكس المزاج الدولي العاجز عن فرض نهاية حاسمة للعدوان، أو الاعتراف بحق الفلسطينيين في التحرر الكامل.
المثير أن كل بند حساس في الاتفاق – من السلاح إلى الأنفاق، ومن الانسحاب إلى الترتيبات الأمنية – لا يحمل إجابة واضحة بل يُحال إلى مراحل لاحقة، بما يترك الباب مفتوحًا أمام الانفجار مجددًا. هذا “التأجيل المقصود” قد يبدو كاستراتيجية لاحتواء النيران، لكنه في جوهره لا يضمن أمنًا ولا كرامة ولا سيادة.
وفي المقابل، تصرّ المقاومة على أن لا اتفاق يُمرّر على حساب أوراق قوتها. ومهما بدا سقف المطالب الدولية عاليًا، فإن المعادلة الجوهرية التي فرضها 7 أكتوبر ما زالت قائمة: لا تهدئة دون مقابل حقيقي، ولا ترتيب أمني دون كلفة سياسية واضحة من جانب الاحتلال.
قد تُعدّل هذه الورقة مرة واثنتين، وقد تخضع البنود لمزيد من الوساطة، لكنّ الثابت الوحيد أن المعركة اليوم تدور على معادلة جديدة: غزة ليست مجرد “ملف إنساني”، بل مفتاح مركزي في توازنات الإقليم.