سلسلة الكرامة والفخر: يوميات كفاح من أجل البقاء – عشرون شهرًا من المعاناة: المقاومة والشعب في مواجهة النزاع وصمت المجتمع الدولي.

عمان ـ خاص بـ”رأي اليوم” ـ زياد فرحان المجالي:
منذ عشرين شهرًا، اندلعت شرارة الحرب الكبرى التي لم تنطفئ بعد.
في السابع من أكتوبر، لم تُفتح فقط جبهة عسكرية، بل كُسر جدار الصمت، وسقطت كل أوهام الاستقرار الزائف. المقاومة الفلسطينية انطلقت من تحت الحصار، من بين الأنقاض، بقرار وجودي لا تكتيكي. منذ اللحظة الأولى، كان واضحًا أن هذه المعركة ليست كأي معركة سبقتها. كانت معركة الكلّ من أجل الكلّ، وكان عنوانها: إما أن نُمحى، أو نثبت أننا هنا، لن نبيد ولن نُباد.
في الميزان التقليدي للقوى، لا مجال للمقارنة. إسرائيل تخوض الحرب بكل ما تملك: غطاء جوي، دعم استخباراتي أميركي، ترسانة دولية مفتوحة، تنسيق أمني معلن، وإعلام عالمي يغض الطرف.
لكن في المعسكر الآخر، تقف غزة وحدها. تقاتل بما لديها: صواريخ محلية، أنفاق محاصرة، قادة تحت الأرض، وشعب جائع لا ينكسر.
ورغم ذلك، لم تسقط.
بل إن ما سقط، هو وهم الردع الإسرائيلي.
وما تصدّع، هو هيبة تل أبيب.
وما ارتبك، هو رأس نتنياهو نفسه، الذي لم يجد في تغيير القادة والجنرالات سوى أدوات لتأجيل الهزيمة، لا منعها.
في مقابل جيش كامل العدّة، وقادة يبدّلهم نتنياهو كما يبدّل أوراق المناورة، حافظت المقاومة على خط قيادي صلب، لم تهزّه الاغتيالات، ولم تربكه الجولات.
ورغم سقوط القادة الميدانيين تباعًا، لم تنفلت البوصلة، بل استمرّت العمليات، وانتظمت التصريحات، وتماسك الخطاب.
لكن ما هو أعظم من بقاء المقاومة: أن الشعب الفلسطيني نفسه أصبح البديل عن كل ما تفتقر إليه المقاومة.
في غياب الدعم العربي، وتخاذل الغطاء الإسلامي، وفي ظل حصار خانق برًا وبحرًا وجوًا،
تحوّل الشعب الفلسطيني إلى السند الاستراتيجي الأول والأخير للمقاومة.
هو الذي يُعيد بناء البيئة الحاضنة، كلما هُدم بيت.
هو الذي يدفن شهداءه، ويعود للصبر بلا شكوى.
هو الذي يُسلّح الإرادة، حين ينقطع السلاح.
وهو الذي ظلّ على يقين: أن هذه المقاومة لا تقاتل نيابة عن فصيل، بل عن كيان وهوية وحقّ في الوجود.
في غزة، لم يخرج الناس يطالبون بوقف إطلاق النار بأي ثمن،
بل خرجوا تحت القصف يقولون: نحن معكم.
وفي المخيمات، لم تنهَر الخيام تحت المطر،
بل تحوّلت إلى رموز صمود جديدة.
وفي المدارس، كتب الأطفال فوق الأنقاض:
نموت ولا نترك البندقية تسقط.
في هذا المشهد، تبرز مفارقة وجودية:
نتنياهو يقود الحرب لحماية مستقبله السياسي،
أما شعب غزة، فيخوضها لحماية اسمه من النسيان.
إسرائيل تملك الدعم العالمي،
والمقاومة تملك ما هو أثمن: شعبًا يعرف أنه إن خسر اليوم، فلن يكون هناك غد.
هذه ليست حرب مواقع، بل صراع وجود بين من يريد أن يعيش، ومن يريد أن يُفنى الآخر.
وبينما تتناوب العواصم على الخذلان،
ويُستخدم الملف الفلسطيني كورقة تفاوض في ملفات إقليمية أخرى،
يبقى في غزة ما يذكّرنا بالحقيقة البسيطة التي لا تتغير:,
أن الكرامة لا تُقصف،
وأن العزة لا تُباد،
وأن من قرر أن يقاوم حتى النهاية، لا ينتظر نصرًا مؤقتًا، بل حياة تستحق أن تُعاش.