عصمت شاهين الدوسكي: ثورة الذنوب في رؤية شاعرة سلوى كولى المبهجة

عصمت شاهين الدوسكي
لتخیل الفكري العاطفي ، كسفینة مبحرة في بحر التجارب والذكریات والتناقضات ، بأوجه نفسیة تكاد تتجلى بألمھا وأفراحھا مشحونة بإحساس مرھف ، تنساب بهدوء نحو واقع القلب والروح ، فھي متعة الفكر ، متعة الإبحار ،لیوحي لنا العالم الخفي للعاطفة الإنسانیة ،في زمن التناقضات المؤلمة والأوجاع الهائمة في مدن مغتربة داخل أعماقنا ،الشاعرة ” سلوى كولى ” تمسك بخیوط الصباح لتلمسه بهدوء وتحركھا لتدنو من صوت الصباح الذي یكون ھمسھ قویا في وحدة الروح والإحساس والمشاعر، “صوت الصباح ” تجلي لعالم جدید یمر بنا كل یوم إلى وقت الفناء المقدر ، دیمومته الصوتیة يعزف لنا حكايات البشریة ،إن كنا نسمعھا أو لم نسمعھا ، إن كنا نحس بھا او لم نحس بھا ، في أعماقه یخفي كل آلامنا وعذاباتنا ،وذنوبنا، وھنا تدق سلوى كولى ناقوس ” انتفضت من الذنوب ” كأن صوت الصباح موج بحري یغسل ذنوب البشر ،ویتستر علیھا بقدومھ الصباحي ، والخلاص الآخر في إطلالة ” سیدنا المسیح ” انه شوق الخلاص الروحي، النفسي ، الفكري، التخیلي، بدلا من كل الأصوات الصباحیة المشرقة ،” من كان منكم بلا خطیئة فلیرمھا بالحجر ” إن تراكمات الذنوب والخطایا الملحة للخروج علنا ،والتي تنخر الإحساس والخیال والفكر الباطني ، تحتاج إلى من یغسل هذه الذنوب ویمسحھا ، فما “رشفة الصبر” إلا مدلول في طریق الخلاص، وعدم الوصول والعثور علیھا ، یجدد انتفاضة الذنوب ،واللجوء للبحث المستمر .
عن الخلاص، دلالة صوریة على مدى تأثیر الذنوب في الوعي الفكري والإحساس الداخلي صوت الصباح “انتفضت من الذنوب مع إطلالة شوق سیدنا المسیح وفي زوایا حجرتي بحثت عن رشفة صبر لكن ، لم اعثر علیھا” وبحثت عنك ولم أجدك إنها كلمات تتسم بقوة غریبة ،والانتقال اغرب من صورة “صوت الصباح” إلى صورة “سیدنا المسیح” في صراع داخلي لا بظهر التوتر الذي ينصهر في المعنى الایجابي للخلاص ” صوت الصباح ، سیدنا المسیح ” أما ” رشفة الصبر ” صورة حسیة تعكس تجرد الظمأ الروحي، وطریة الحاجة الیابسة ، وھو تجرد رائع لمعاناة تتلاحم مع الخیال والفكر وعالم التأملات ،وفي انسیابیة شعریة تلجأ الشاعرة سلوى كولى إلى المؤثر الحسي واللمس ” بأناملي ” بلا غموض ولا مجال لإنكار ما ھو كائن ،وما یحدث وان یكن ھذا بالأمر الحتمي ” طرقت العبرات أبواب عیني ” فھي صورة شعریة بلاغیة ، تفتح الطریق للیأس ، فالعبرات والیأس تدمج المعنى الحسي والفكري ،وھذا عامل مساعد للإبداع والجمال ،والتواصل الفكري المتقد برؤیة الصورة الشعریة بتألق جمیل ،ومن محاسن ھذا التدرج الانسیابي الشعري الوصول إلى ” نافذة السحر ” ثم الوصول إلى ترنیمة تھب لنا سلسلة من الصور الخیالیة ،تلفت النظر إلیھا بجرأة وحس عاطفي وقدرة إیحائیة ممیزة ، ( العبرات ، الیأس ، السحر ) .
ربما تكون مألوفة شائعة ، لكن صداھا هنا مؤثرا وقویا بأناملي “طرقت العبرات أبواب عیني داهمني الیأس” ففتحت نافذة السحر الجرأة قد تكون لیست أساسیة في النص الشعري ، فالعواطف والإحساس والمشاعر والفكر الإنساني قد تثیره كلمة دون استعمال المؤثرات كما یقول : ورد زورث : ( الفكر الإنساني یمكن أن یثار دون استعمال المحفزات الكثیرة والعنیفة ) أما الشاعرة سلوى كولى جسدت معنى الذنب في الغضب الإلھي بجرأة الیقظة الروحیة والفكریة ، فتوافق الخلاص من الذنب للوصول إلى ” أمنیتي وردة ، كنت أتفیء في ظلھا ” إنھا موازنة الذنب والخلاص ثم الارتماء على جسد أمنیة بسیطة هادئة ، تتجلى العاطفة الشخصیة بعیدا عن المؤثرات والعنف ، وعبرت الشاعرة سلوى كولى عن موقف ذنبي والخلاص الطبیعي . في سبیلین ، الإمتاع أولا ،وراحة الروح والإحساس والتأنیب ثانیا ، بإتقان وتصویر بدیع في رشفة فهوة الصباح “أمنیتي وردة كانت” أتفیء تحت ظلھا الخلاص من الذنب نهاية ألم ، فزوال الذنب لیس أمرا یسیرا ، بقدر ما ھو تجربة تمر عبر الخیال في غربة روحیة ، ترسو باحثة عن الجمال والراحة والهدوء حتى أن كان المتلقي “أخرسا” فقناعة الأخرس ربما لا نجدھا في أي عالم خارجي ، ولیس من الخطأ الإشارة إلى الأخرس ،ما دام كان الملاذ الأخیر للهدوء، ومن الطبیعي أن یسمح لهذه المدلولات للظهور لمیلھا إلى التمیز والإبداع ، فاتخاذ المزیج الصوري والاستعارات المتداخلة ، وربط العاطفة بالعقل، والذنب والخلاص . الخلط بین الأشیاء المادیة والروحیة ، والفكریة والحسیة ، لھ دور مؤثر خفي قد لا نحس بھ من أول طله أمواج صدیقي الأخرس “تجذبني إلى صمته إلى أعماقه” كي يهدئني. الشاعرة سلوى كولى حطمت قیود الخیال المخملي وعبرت بصورة شعریة تأملیة ، مبدعة ،التي تتصاعد كشكل ھرمي من صوت الصباح إلى الابتغاء النهائي الهدوء ،حتى لو كان هدوء نسبیا ،فھذا الهدوء قد یسقط بعض الذنوب المتراكمة ، المنفعلة ،المؤثرة ،في الخیال والإحساس والفكر والواقع ، كما الثورات عندما تجد في ثورتها مقدارا من الإرباك ، لكن بفعل أسلوب الشاعرة سلوى كولى وجدت البدیل للسیطرة على تناسق الأفكار وتجلي الصور الشعریة والتفاعل بین العقل والخیال ، ومهما كان الجدل الداخلي بین انتفاضة الذنوب والخیال والواقع ،فهناك معالجة مخملیة للذنوب العقلیة والنفسیة المھیمنة على . الإحساس والضمیر والقلب .
*******
الشاعرة سلوى كولى من موالید محافظة دهوك / كردستان ، تعد الشاعرة من اھم الأصوات النسائية في الساحة الشعریة الكوردیة بما لدیھا من دفق عنیف لصورھا الشعریة الجمیلة • .وغزارة كلماتھا النقیة والأصیلة عملت ضمن صفوف اتحاد الطلبة والشباب عام 1980 في زاخو و باطوفة وبعدھا عملت ضمن التنظیمات الداخلیة للثورة • .الكوردیة مع الحزب الدیمقراطي الكوردستاني .نشرت نتاجھا الشعري في الصحف والمجلات الكوردیة • صدر أول دواوینھا الشعریة تحت عنوان (رحلة أحلام ھمي) عام 2000 في ألمانیا وبالحروف اللاتینیة ، وفي عام 2007• .ترجم الدیوان إلى العربیة الشاعر العراقي كریم حداد السامرائي . ترجمت قصائدھا إلى العربیة والألمانیة • أصدرت مجموعة من الدواوین الشعریة • .حالیا تعیش الشاعرة في السوید