زياد فرحان المجالي: الفشل المعقد – من عدم القدرة على تحرير الأسرى إلى أوهام تدمير البرنامج النووي الإيراني

زياد فرحان المجالي
في لحظة صاخبة بالدخان والدعاية، تتهاوى سرديات “الجيش الذي لا يُقهر”، وتتكشف ملامح إخفاق متعدّد الأبعاد: فشل في تحرير الأسرى، فشل في كسر حماس، فشل في تحييد غزة، وفشل في تدمير المشروع النووي الإيراني.
ورغم مشاهد الغارات وحجم الدمار، لا تزال الحقيقة تُدار في غرف إنعاش: واحدة في تل أبيب، بداخلها نتنياهو نفسه، وأخرى في طهران، تتابع عبر أجهزة الحرس الثوري شفاء المشروع النووي لا موته.
أسرى لم يُحرَّروا… وجيش يُسلّم بالفشل الميداني
بعد عشرين شهرًا من الحرب على غزة، لم تنجح إسرائيل في تحقيق هدفها المعلن: تحرير الرهائن.
عمليات الإنزال، وحدات النخبة، الشاباك، الموساد… اصطدمت جميعها بجدار العجز.
المقاومة خاضت حرب استنزاف لا يُمكن للمؤسسة العسكرية الإسرائيلية تحمّلها طويلًا: كمائن أنفاق، قتال بالأزقة، وضربات مفاجئة، جعلت من كل تقدّم ميداني عبئًا لا إنجازًا.
الأخطر أن أوساط الجيش باتت تطالب علنًا اليوم بحلّ سياسي للأزمة، لا عسكري، معتبرة أن “تحرير الأسرى” لا يمكن أن يتحقق عبر الجرافات والدبابات، بل عبر طاولة تفاوض مؤلمة – وقد تكون مذلّة بالنسبة لنتنياهو.
غزة… حيث تُدفن الجثث وتُولد الحقيقة
في هذه الحرب، لم تُدفن الجثث فقط، بل الحقائق أيضًا.
مئات العائلات طُمست تحت الركام دفعة واحدة، طواقم إسعاف استُهدفت، أطفال قُتلوا على أبواب المخابز، وشيوخ تمزّقت أجسادهم في طوابير النزوح.
ومع ذلك، خرجت غزة من الحصار لتكرّس معادلة جديدة: المقاومة ليست تنظيمًا فقط، بل حالة شعب.
وفي كل مرة اعتقدت فيها إسرائيل أن “الردع قد اكتمل”، كانت صواريخ المقاومة تعاود الظهور، من تحت الردم… ومن داخل الحصار.
نتنياهو… يفوّت “تخليص الأسرى” ويُهندس الهروب السياسي
الزيارة المرتقبة لنتنياهو إلى واشنطن لا تُشبه النصر، بل تُجسّد الهروب من المأزق.
لا أسرى عادوا، ولا غزة سقطت، ولا العالم اقتنع بروايته.
والمفارقة أن واشنطن ذاتها باتت تتجاوز قنواته التقليدية، وتجسّ نبض الجيش الإسرائيلي والداخل العبري أكثر من زعيمه السياسي.
ما يجري هو هندسة تراجع على هيئة “مبادرة إنسانية”، لا أكثر. لا تُنهي الحرب، بل تُجمّدها… ريثما ينجو نتنياهو سياسيًا.
الملف الإيراني… ضربة محدودة وغرفة إنعاش استراتيجية
أما “الضربة الكبرى” التي زعمت إسرائيل والولايات المتحدة تنفيذها ضد المشروع النووي الإيراني، فلم تكن أكثر من ومضة تكتيكية في عتمة الحسابات.
المواقع قُصفت، نعم. لكن البرنامج لم يُقتل، بل نُقل بهدوء إلى غرف إنعاش، حيث تُدار استراتيجيات الاستمرار لا الانهيار.
تحت إشراف الحرس الثوري، بدأ ترميم البنية النووية… وتسريعها.
واشنطن تعرف أن ما جرى لم يكن “ردعًا”، بل صفعة محسوبة، في طريقها إلى مفاوضات أكثر سرّية مع طهران، بينما تُترك تل أبيب تصرخ في العلن وتغلي في الداخل.
الإعلام الإسرائيلي… فوق ركام الهزيمة
عناوين النصر تنهال يوميًا: “نهاية حماس”، “تفكيك الأنفاق”، “ضرب المشروع النووي”، و”استعادة الردع”.
لكن هذه السرديات فقدت قدرتها على الإقناع، حتى داخل إسرائيل.
شارع غاضب، مؤسسات أمنية مرتبكة، وقادة عسكريون يدعون إلى تسوية سياسية بدلًا من خوض معارك تُعيدهم في كل مرة إلى نقطة الصفر.
التطبيع… مرآة المأزق لا مدخله
كان يُفترض بمسيرة التطبيع أن تُتوَّج باتفاقات استراتيجية تُعزّز الموقع الإسرائيلي في الإقليم. لكن الذي حدث هو العكس: التطبيع تحوّل إلى مرآة تُظهر هشاشة الداخل الإسرائيلي لا صلابته.
دول كانت تتحرك بحذر في حضن “اتفاقات أبراهام” أعادت حساباتها، ورفضت الانزلاق نحو صورة “التحالف مع المهزوم”.
الهزيمة في غزة، والعبث في الملف الإيراني، وتآكل ثقة الحلفاء الغربيين، دفعت قطار التطبيع إلى التباطؤ، بل التوقف في بعض المحطات.
حتى اللقاءات السرية التي طالما كانت تُروَّج كـ”نجاحات دبلوماسية” أصبحت عبئًا سياسيًا على أصحابها في ظل مشاهد الأطفال تحت الأنقاض.
الخاتمة: لا تحرير، لا تدمير… ولا نصر في الأفق
في المحصلة، يتكشّف المشهد الإسرائيلي عن فشل مركّب، لا في تكتيك ميداني واحد، بل في العقيدة بأكملها.
فإسرائيل التي اعتادت إدارة الصراعات من موقع الهجوم، باتت اليوم في موقع الدفاع، في الميدان، وفي السياسة، وفي الوعي.
من غزة إلى طهران، ومن واشنطن إلى العواصم العربية، لم تعد اليد العليا لتل أبيب كما كانت، بل تتقلّص تدريجيًا تحت وقع حسابات الداخل والخارج معًا.
وإذا كانت “الحرب طويلة”، كما يُردّد قادتها، فإن السؤال الذي يُطرح اليوم ليس عن طولها… بل عن جدواها، وعن الثمن الذي ستدفعه إسرائيل مقابل تمسّكها بسرديات لم تعد تقنع أحدًا.
قد تُجمّد المعركة مؤقتًا، وقد تُنقذ التسويات بعض الرهائن، وقد تُبرم اتفاقيات عابرة خلف الأبواب… لكن الحقيقة الأوضح اليوم أن إسرائيل تواجه واحدة من أخطر لحظات إعادة التقييم الاستراتيجي في تاريخها، وسط واقع إقليمي ودولي يتغير… دون أن يكون لصوتها تلك الهيبة التي كانت.
كاتب اردني