أحمد شناعة: فرصة مهدرة: كيف انهار محور المقاومة جبهةً تلو الأخرى

أحمد شناعة: فرصة مهدرة: كيف انهار محور المقاومة جبهةً تلو الأخرى

 

 

احمد شناعة

منذ قيام الثورة الإسلامية في إيران عام 1979، تشكل ما يُعرف بمحور المقاومة كجبهة ممتدة عسكريًا وأيديولوجيًا من طهران إلى بيروت مرورًا بغزة ودمشق. هذا المحور اعتمد نهج “الصبر الاستراتيجي” و”النصر بالنقاط”، وهي سياسة تقوم على تراكم القوة بهدوء، وردود محدودة مدروسة، وانتظار اللحظة المناسبة للضربة الكبرى. لكن هذا النهج الذي صمد لعقود بدا عاجزًا أمام تسارع الأحداث واختلال التوازنات بعد السابع من تشرين الأول 2023.
في ذلك اليوم، فجّرت فصائل المقاومة الفلسطينية واحدة من أضخم العمليات المفاجئة في تاريخ الصراع: عملية طوفان الأقصى. اجتاحت المقاومة المواقع العسكرية الصهيونية وأربكت العدو بشكل غير مسبوق. كان الحدث تاريخيًا ومثاليًا لانطلاق حرب شاملة على الكيان. الفرصة كانت سانحة: يشترك حزب الله بهجوم بري على الجليل، وتقوم إيران بإطلاق وابل من الصواريخ على العمق الإسرائيلي، وتبدأ مرحلة “الصدمة والرعب”. لكن ذلك لم يحدث.
اختار حزب الله، في خطاب أمينه العام السيد حسن نصر الله، التمسك بفكرة أن النصر يُنتزع بالنقاط، لا بالقفزات الدراماتيكية، وأن المعركة تحتاج إلى نفس طويل. أما إيران، فتمسكت بسياسة الردع من بعيد، مكتفيةً بالدعم السياسي واللفظي، رغم أنها كانت تتعرض للضربات تلو الضربات: قُصفت قنصليتها في دمشق، واغتيل عدد من قادتها، وتعرضت منشآتها النووية في فوردو ونطنز وأصفهان لهجمات صاروخية دقيقة بمشاركة أمريكية مباشرة.
وفي الوقت الذي كانت فيه غزة تُستنزف وحيدة في حرب إبادة، كان العدو الصهيوني يُنفّذ استراتيجيته الكبرى: تفكيك محور المقاومة ساحةً بعد أخرى. بدأ ذلك في سوريا، حين انكفأت القوات الإيرانية والمليشيات التابعة لها أمام تصاعد النفوذ الروسي وتراجع القدرات البنيوية للنظام. وجاءت اللحظة المفصلية في ديسمبر 2024، عندما انهار النظام السوري وغادر بشار الأسد إلى موسكو، واستولت المعارضة على الحكم، ونُصّب أحمد الشرع (أبو محمد الجولاني) رئيسًا مؤقتًا، و إيران بدأت سحب قواتها، وسوريا خرجت من المعادلة.
بهذا، فقد المحور واحدًا من أهم مكوناته الجغرافية والدعوية، وتفككت نقطة الربط بين المقاومة اللبنانية والفلسطينية، وانهار “العمق الاستراتيجي” الذي لطالما كان بمثابة قاعدة ارتكاز متقدمة.
وبينما ظل حزب الله محاصرًا سياسيًا وميدانيًا، وغزة تنزف، انتقل الاستهداف إلى رأس المشروع: إيران نفسها. لم تعد المسألة تتعلق فقط بمنشآت أو شخصيات، بل بمشروع تفكيك شامل، تقوده إسرائيل بدعم أمريكي صريح، في ظل غياب رد موازٍ بحجم التهديد. وتُطرح اليوم تساؤلات جادة: هل أخطأ المحور عندما امتنع عن تحويل طوفان الأقصى إلى حرب كبرى؟ وهل أضاعت إيران وحزب الله الفرصة الأخيرة لتغيير قواعد الاشتباك قبل أن يكتمل الحصار؟
الصبر الاستراتيجي، حين لا يُقرن بحساب دقيق للحظة التاريخية، قد يتحول إلى عجز استراتيجي. والنصر بالنقاط، حين يُمارَس في ملعب خصم لا يعترف بالقواعد، قد يُفضي إلى خسارة كاملة.
إنها بالفعل فرصة ضائعة، لكن ثمن ضياعها يُدفع الآن على أكثر من جبهة، وقد لا يتكرر الوقت المناسب قريبا مرة أخرى.

 

الجليل الاعلى / برلين