ستار موزان: كتابات أبواب الرحيل في ذاكرة الأماكن

ستار موزان
ان الشاعر معتز زكي أراد من خلال منجزه الشعري الذي حمل العنوان (ابواب الترحال ) ان يبرهن على وجوده الشعري المتمثل بمساره الخاص وانه من الممكن ان يتجلى عبرجسور اللغة وهيكل التجلي بما هو جديد ان يذهب الى وعاء الشغل الشعري النصي والنثري لاثبات عملية التداخل والتماهي بين العناصر الفوّارة المُشار اليها لتكوين النص أو القصيدة التي تمثل تشكيلهُ الخاص ، فعلى سبيل المثال ذهب في قصيدتهِ (المحطة الأخيرة) من مجموعتهالشعرية ( ابواب الترحال) الى موضوعة رحلة الذات أو رحلة الشاعر معتز زكي في الحياة القلقة اللامستقرة في مسارها البياني ، في حيواتها المشحونة بالسفر والتنقل السريع ، إذ هو يراها تتنوع وتتعقد وتتركب في حركتها السريعة بينما هو يسير في عربة السفر الى المحطة الأخيرة من مسارها ، هو يرى حركة اللافتات والحقائب والحقول والناس والطيور وأعمدة الكهرباء التي تتحرك مع حركة العربة التي يقطن فيه ملقىً ببصره وقلبه صوب تلك المشاهد المتحركة أو المُحَرَكة من قبل حركة العربة أو( فاركون ) القطار الذي يسير بمعية حركة المسار الذي يتنبأ به الشاعر ، إذ هو يقول في القصيدة التي حملت العنوان ( المحطة الأخيرة) 🙂
أجلس في عربة القطار
انتظر المحطة الاخيرة
انظر عبر النافذة
الفي الناس وتلك الامتعة
فوق الارصفة ،
بين اللافتات المتغيرة
وبعض الطيور المعتادة
فوق اسوار الحقول
وابراج الكهرباء التي كانت واقفة
صامتة كشواهد بالمقابر
ارى ذاتي تلك المتعبة
اخيراً بعد الرحلة الطويلة
لا تحمل ثمة حقائب
أو امتعة ، تنزل المحطة الأخيرة .
لكن مع ذلك فنص (تمزق) الذي انبجست منه صورة شعرية أخاذة انما في التصوير المجسم لذات الرجل المحترقة إذ تعطي مشهداً شعرياً منكسراً على حافة تأولية لحركة النص نفسه ، هذا ما سعى اليه الشاعر معتز زكي في باكورة تحولاته النصية او الشعرية في مجمل مجموعته الشعرية أبواب الترحال ، لكن الأمر مشحون في تطلعات النص نفسه كي يحصد تلك العناصر والأشياء المنسية في ذاكرة التحولات الجمعية ويتشيوء معها لاستحضارها في وعاء النص بذاته ، فهو يرى بصورته الشعرية التي رسمها بكلمات مكثفة وموجزة في السياق النصي للقصيدة او النص الذي عبر بعيداً لانطواء الليل وعدم قدوم النهار العصي حتى وذلك لاثارة زوايا خفية تتعثر فيها خطوات رجل التمزق وهي مطوية لا ترى قلبه ولا خطواته وهي تتعثر في دموع المشهد ، حيث يقول الشاعر في نص تمزق :
يتمزق قلب هذا الرجل على قارعة الطريق،
يعود ثانية
كيما يحصد الأشياء المنسية
فوق الدروب المتعبة ،
تعثر خطواته المطوية
في دموع الرفيق
تنير زوايا الليل
تثير الحريق .
مهما يكن من امر فلن الشاعر زكي ينشق دوماً من المديات والنصوص المتناهية مع النصوص الأخرى التي عمل على استحضارها في المجموعة نفسها وذلك لتكوين أو انشاء نص جديد يختلف عن النص الآخر الذي جاء في المجموعة نفسها على هيئة شعرية مستقلة رغم تحولات الروح الشعرية داخل النصوص نفسها اي بمعنى هي نفس الروح تتحول تتنقل هنا وهناك عبر لغة التكثيف الشعري. فلو ذهبنا الى نص ( ابواب الترحال) وهو عنوان المجموعة الشعرية نفسها ، لرأينا العينة نفسها ذات
التحولات الشعرية بين السحرية والنظرة الواقعية والسوريالية كذلك فهو يقول :
تعلق حبيبتي
قناديل الدمع
فوق ابواب الترحال
تدعو سفن الوقت
توشوش اصداف الصدى
تتسأل في حسرة
متى يرجع من خلف جبل ومحال
حبيبتي ملامح الصبر أنا
يغمرني جبل الموج
والعمر بحر
ذرة في ساعة رمل تُساقط كالقطر في الغيم الميل
حبيبتي هلا سكبت قناديل دموعك
في زيت النسيان
إذ اني لا اعرف
متى يكتمل الحلم
ليضمني قلبك
في عينيك بريق يرتد
من قلبي اليك عنوان .
بينما في نص آخر من المجموعة الشعرية ابواب الترحال ينتهي المشهد الشعري في توليفة محتملة تجعل من النص نفسه في حالة فوران ما بعده فوران ذلك لأنهُ يريد أن يبني من احتمالاته النصية شبكة أو مستعمرة شعرية مبعثها الدخول الى ميكانيك العمل الشعري من الجانب اللغوي واستعمال الاداة الشعرية التقليدية المحاكة في النص نفسه ولكن ليس بعيداً عن استخدام الشعرية كصورة شعرية متدفقة داخل النص نفسه فنص ( مسافات الرؤيا) يُنشد :
تضيق مسافات الرؤيا بالرؤية
يعلق الكاهن النبواءات
فوق شرفات السحاب المخضب بالدماء
يتقاطر الدم على رأسي
رغم اني اسير بمحاذاة ظلي المباغت
او بمحاذاة الخوف
الجاثم على اسوار الشارع
ادلف من شارع الى آخر
ونفس الرؤيا تلاحقني نفس الرؤية
ونفس الكهان
فيطلع في الليل
هلال الحلكة يبكي على اغصان الزيتون
متعامدة الاقطار بينما في الافق
نجمة مسدسة ألاطراف تصوب نحوي
فتخلف فراغات القش بعقلي
ثمة جثة فوق الجسر
لمهرج القرية المتهم بالجلبة والمعرفة
لم يقوَ ان يعرف
لان من عرف في قريتنا جن و خبل
ومات في ليل اكتمال القمر ,
هكذا يصل الشاعر زكي في قصيدة امتلاء الى موضوعة الذروة خلال الصورة الشعرية التي تمفصلت وتمحورت في بناء القصيدة نفسها ، وذلك عبر تحضير المعلوم والمجهول في مسار واحد من المعنى المغاير الذي يعتلي القصيدة ويجسمها ذات الوقت . انه استطاع ان يرّحل الصورة الشعرية المتحللة داخل القصيدة الى مسار شعري كوّن في الآخر الذروة الشعرية المشحون بالمركب والمعقد ذات الوقت ، اذن هو وصل في الصورة الشعرية الى الذروة الشعرية وهو حدد مسالك النص ليتحول الى قصيدة ممتلئة حيث حملت العنوان
( امتلاء ) فهو ينشد هنا :
فلتملئيني ايتها الروح
بالُحزون
وخشخشة الأوراق
صليل الجنون
والروح الأخرى الصعداء
انطلقي بالغناء
في كل الأنحاء
وانشري جناح الأبدية
فوق ربوع النسيان
تعال ايتها الأصوات
وانتشلي
روحي الملول
تعالي
واسكبي الضوء
أمام عيني .. الحقول
كي لا أرى النفس
فتنة الجسد
أو الناس
عربات الرمس .