محمود كامل الكومي: فيروز وماجدة… رموز الفخر أم انكسار الكبرياء؟

محمود كامل الكومي: فيروز وماجدة… رموز الفخر أم انكسار الكبرياء؟

محمود كامل الكومي
حينما زار الرئيس الفرنسي لبنان عقب انفجار مرفأ بيروت، لم تكن الزيارة بروتوكولًا سياسيًا عابرًا، بل كانت كاشفة، كاشطةً لأقنعة الزيف، ومُظهرةً لجوهر الأشياء… وفي حضرة الجراح اللبنانية، تجلت المفارقة بين أصالة الفن وهشاشة من يتغنون بالوطن فيما هم يبيعونه عند أول فرصة للركوع.
هناك، في بيتها المتواضع المتعالي، لم تغادر فيروز جارة القمر سماءها، لم تتكلف الخروج إلى منصة، ولم تُهَرْوِل إلى أحضان رئيس دولة استعمرت لبنان يوماً، بل سعى إليها هو بنفسه… دخل بيتها كأنه يخطو إلى معبد، فانحنى لا ليقبل، بل ليتأمل هالة مجد لا تُنتهك. جلست فيروز كصخرة صامدة بين أنقاض وطن، عيناها تنطقان بما لا يُقال، وصمتها أكثر بلاغة من كل خطابات الساسة.
في لحظة اللقاء، بدا شموخ شجرة الأرز متجسدًا في امرأة. لم تهادن، لم تبتسم ابتسامة التملق، لم تمارس طقوس التذلل المعتادة… بل استقبلت ماكرون من “عليين”، من مقام القامات، فبدت بيروت بأسرها تُعانق كرامتها عبرها. كانت صوت لبنان الحقيقي… لا صوت من جرى تطويعه.
في المقابل، كانت الصورة على الضفة الأخرى موجعة. ماجدة الرومي، صاحبة الحناجر الذهبية، لم تحفظ للحن الكرامة موضعًا. هرولت إلى الرئيس الفرنسي في مقر إقامته، فقبلته كما يُقبَّل السيد في مسرح عبودي. انحنت، وتكلمت، وتغنت كما يشاء المستعمر القديم، لا كما تُمليها حرقة الأرز المحترق.
هناك، عند ذلك المشهد، سقط الفن المتزين، وتعرّت الكلمات الجوفاء التي طالما زُخرفت بالشعارات الوطنية. وتحوّلت القبلة من تعبير عن محبة الأرض إلى طقوس خضوع مهين، توازي ما فعله زعماء الطوائف حين باعوا لبنان بأثمان بخسة في أسواق الدم والنفط.
بلوغ ماجدة الرومي حضن ماكرون، لم يكن موقفًا شخصيًا، بل تلخيصًا رمزيًا لمسار ثقافي وسياسي كامِل، هبط من زمن الكبرياء إلى زمن التبعية… إلى زمن يتصدر فيه سمير جعجع مشهد السياسة، مجسدًا التآمر على لبنان باسم “السيادة”، فيما يُهمش صوت المقاومة ويُطارد شرف الانتماء.
أما فيروز، فكانت وحدها تقف كقمر يضيء بلا ضجيج، تلمع في سماء عربية تنحني فيها كثير من النجوم الزائفة. كانت هي ونصر الله  في صفاء الموقف، في نور الكرامة، في الصوت الذي لا ينكسر.
الفرق بين فيروز وماجدة، هو الفرق بين لبنان الذي نحب، ولبنان الذي يُباع على قارعة الطرقات.

كاتب ومحامي مصري