عماد العيسى: حين تتوقف المدافع: هل خمدت الحرب أم بدأت أخطر المراحل؟

عماد العيسى: حين تتوقف المدافع: هل خمدت الحرب أم بدأت أخطر المراحل؟

عماد العيسى
وقف إطلاق النار هدوء مؤقت في حلقة صراع مفتوح . ان إعلان وقف إطلاق النار بين إيران والكيان الإسرائيلي لقي ترحيباً حذراً في بعض الأوساط الدولية، فيما رآه البعض الآخر خطوة ضرورية لتفادي اندلاع مواجهة إقليمية واسعة. لكن النظرة الاكثر واقعية تكشف أن هذا الوقف لا يعني نهاية الصراع، بل يمثل محطة مؤقتة ضمن مسار طويل من المواجهة التي تتجاوز بكثير حدود الحرب العسكرية .
فالمواجهة بين إيران والغرب بشكل عام – وفي القلب منها  ( إسرائيل ) – لم تكن يوماً محصورة في تبادل الضربات العسكرية. بل إنها صراع بنيوي يتصل بموقع إيران الإقليمي، ومحاولاتها لفكّ الارتباط بالمنظومة الغربية، وتثبيت معادلة ردع جديدة على مستوى المنطقة. من هنا، فإن وقف إطلاق النار لا يلغي أسباب التصعيد، بل يجمّدها مؤقتًا إلى حين عودة التوتر في شكل جديد .
الحرب الهجينة  وأدوات السيطرة الحديثة :
ما يميز المعركة الجارية أنها لا تُخاض بالوسائل التقليدية وحدها. فالغرب بات يدير صراعاته عبر ما يُعرف بالحرب الهجينة، وهي مزيج من أدوات سياسية واقتصادية ونفسية وأمنية ومعلوماتية. اما العقوبات الاقتصادية فلا تقل ضررًا عن الصواريخ، والحملات الإعلامية الموجهة يمكن أن تُسقط أنظمة بل تسقطها ، والتلاعب بسعر العملة أو سوق الطاقة قد يُضعف أي دولة دون رصاصة .
كما أصبحت أدوات مثل “الديمقراطية المشروطة”  او “حقوق الإنسان الانتقائية”  و”الاستثمار الدولي” وسائل ضغط، تُستخدم لإعادة رسم سياسات الدول المستهدفة وفق النموذج الغربي. ولعل أبرز ما يُقلق في هذا النموذج هو أنه يسعى إلى استنزاف الدول من الداخل، وإفراغها من قوتها الذاتية، دون الحاجة إلى احتلال أو تدخل مباشر .
إيران ودول الجنوب  مواجهة الهيمنة أم أزمة عابرة ؟ :
من المعلوم ان إيران ليست وحدها في مرمى الاستهداف. فكل دولة تحاول الخروج من عباءة السيطرة الغربية تجد نفسها معرضة لحملات شرسة متعددة الأوجه. من أمريكا اللاتينية إلى أفريقيا، ومن آسيا إلى العالم العربي، يتكرر النمط ذاته, وكل محاولة للنهوض تُقابل بإجراءات ردعية، وكل إرادة استقلال تُعتبر تهديدًا يجب سحقه .  لذلك فإن المشكلة أن كثيراً من دول الجنوب ما زالت تتعامل مع هذه المواجهة كأنها أزمة طارئة، في حين أن المطلوب هو فهم أعمق. فنحن أمام منظومة ضغط طويلة الأمد، تتطلب أدوات دفاع استراتيجي متطورة، تبدأ ببناء الجبهة الداخلية وتنتهي بإعادة صياغة التحالفات الدولية
ما هو المطلوب ؟
قوة متكاملة على كل الجبهات :
الرد لا يجب أن يكون محصورآ بالاسلوب العسكري فقط ، بل متعدّد الأبعاد. يجب العمل على إنشاء تكتلات اقتصادية قادرة على تقليل الاعتماد على الدولار والنظام المالي الغربي، وبناء إعلام حرّ قادر على كسر الروايات المهيمنة بشكل فاضح ، وإنشاء شبكات تواصل ثقافي وتعليمي بديلة تعيد تشكيل الوعي الجمعي .
في المقابل، يجب تطوير القدرات الدفاعية والأمنية، لكن ضمن إطار مشروع وطني لا يستنزف الدولة، بل يعزز منعتها. ولا بد من تطوير أدوات الردع بما يجعل مراكز الهيمنة تشعر أن استمرار الضغط سيؤدي إلى نتائج عكسية .
تحالفات الجنوب من منتديات إلى محاور فاعلة :
التحالفات القائمة بين دول الجنوب يجب أن تتحول من كيانات رمزية إلى كيانات استراتيجية. منظمة بريكس، على سبيل المثال، تمتلك ما يكفي من الأدوات المالية والتجارية لتأسيس توازن عالمي جديد، لكنها بحاجة إلى إرادة سياسية أقوى، وتنسيق أعمق في الملفات السيادية ويجب أن تتحول هذه التكتلات إلى مظلات دفاعية ، ليس فقط لحماية الأنظمة، بل لحماية الشعوب ومصالحها، وخلق بيئة عالمية أكثر عدالة وتوازنًا .
ختامآ  لا حرية بدون إرادة  ولا سلام بدون قوة :
المعادلة باتت واضحة: لا حرية بدون مقاومة، ولا سلام بدون قوة تحميه. إن ما بعد وقف إطلاق النار ليس عودة للسلام ، بل انتقال إلى مرحلة أشدّ تعقيدًا من الصراع، حيث تُخاض المعارك عبر الاقتصاد والمعلومات والهوية الثقافية.لذلك فإن صمود إيران في هذه المرحلة له ما بعده. فإن استطاعت ايران  النجاة من هذا التصعيد، فإن ذلك سيعيد رسم قواعد الاشتباك في المنطقة، ويمنح دول الجنوب جرعة من الأمل في إمكانية كسر الحلقة المفرغة من التبعية والانكسار. أما إذا تعثرت، فإن المشهد العالمي بأسره سيُعاد تشكيله على أسس أكثر قسوة. اما نحن بحاجة الآن الى رؤية شاملة، لا تُدار بمنطق ردّ الفعل، بل بمنطق المبادرة والتخطيط والجرأة. لأن العالم يتغير بسرعة، والتاريخ لا ينتظر المترددين.
اعلامي وكاتب