يزن التميمي: ترامب… بين براعة الاستفادة وفشل الرهان النهائي

يزن التميمي: ترامب… بين براعة الاستفادة وفشل الرهان النهائي

 

 

يزن التميمي
بذكاء سياسي حاد، وربما بدهاء مقصود، ظفر دونالد ترامب بثلاثة مكاسب في لعبته الشرق أوسطية، لكنه خسر الرهان الرابع – والأهم – حينما أفسح المجال لبنيامين نتنياهو كي يغدر بالجمهورية الإسلامية الإيرانية، في لحظة كانت المنطقة والعالم بأمسّ الحاجة فيها إلى بصيص أمل ومساحة للحوار.

لقد دخل ترامب حلبة الصراع وفي جعبته رهانات متعددة، وقد نجح في أغلبها، لكنه غفل عن معطًى جوهري لم يكن في حسبانه.
المكسب الأول الذي قطفه الرئيس الأمريكي تمثل في تحقيق حلم راود الكيان الإسرائيلي لأربعة عقود كاملة: شنّ عدوان مباشر على إيران وبرنامجها النووي، ولكن هذه المرة بمشاركة أمريكية معلنة، ومن على منصة الشرعية الدولية.

أما المكسب الثاني، فجاء بضربة مزدوجة. فقد سمح ترامب لإسرائيل أن تسدد ضربة إلى إيران، وهو يدرك يقينًا ما تمتلكه طهران من قوة صاروخية ورد مزلزل، وبالتالي كان يعلم أن الثمن سيُدفع من رصيد نتنياهو واللوبي الصهيوني داخل أمريكا. كانت تلك ضربة تأديبية مغلفة بثوب الدعم.

أما الرهان الثالث فهو الأكثر تعقيدًا، والأكثر دهاء. فالعدوان الإسرائيلي، وما تبعه من ردٍ إيراني صاعق، أحدث موجة تعاطف واسعة مع طهران، حتى من دوائر اعتادت معاداتها. لكن المفاجأة جاءت حين امتد الرد الإيراني ليطال قاعدة “العديد” الأمريكية في قطر، وهنا تبددت موجة التعاطف، وحلّ محلها قلق عربي عارم من أن تشتعل نيران الحرب في ديارهم.
وهكذا كسب ترامب رهانه الثالث: حافظ على صورة إيران كقوة مهابة، وفي ذات الوقت أشعل الخوف منها في قلوب جيرانها العرب، ليجدوا في واشنطن مظلة النجاة الوحيدة. وبهذا تستمر صفقات السلاح، ويستمر معها الاستنزاف الاقتصادي والابتزاز السياسي.

لكن الرهان الذي سقط، هو ذلك الذي لم يُحسب بدقة: لقد أيقظت الضربة في داخل إيران شيئًا كان خامدًا. لم تكن ردة الفعل الشعبية مجرد غضب أو غليان وطني عابر، بل بدا وكأن روح الثورة الإسلامية قد عادت إلى النبض من جديد، في الشارع، وفي وجدان الأجيال الجديدة.
تجلّى ذلك في وحدة وطنية نادرة بين أطياف القوى السياسية، وفي تعاضد شعب مع قيادته، كأنما الدماء الثورية عادت تجري في شرايين الأمة الإيرانية، شعبًا وقيادة، بعزم لا يعرف الانكسار.

نعم، ما لم يكن في حسبان ترامب أن إيران اليوم ليست تلك التي عرفها بالأمس. إنها نسخة أكثر صلابة، أشد عزمًا، وأقرب إلى أن تتحوّل إلى قوة عظمى تقلب معادلات عقود من التخطيط، وتحرق خرائط رسمت في الظلام.
السويد