نتنياهو في مواجهة التهم ومبادرات العفو: هل ينهار رمز المشروع الصهيوني من دور الزعامة إلى هامش التاريخ؟

عمان ـ خاص بـ”الرأي اليوم” ـ زياد المجالي:
في لحظة فارقة يتقاطع فيها صوت المدافع من غزة، وظلال الحرب في جنوب لبنان وسوريا، يقف رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أمام مفترق تاريخي بين منصات القرار وقفص الاتهام.
الرجل الذي طالما جرى تقديمه كعنوان للاستقرار والردع ومشروع إسرائيل الكبرى، يجد نفسه اليوم محاصرًا من القضاء، ومن المؤسسة الأمنية، ومن الرأي العام، بل ومن التاريخ ذاته.
أربع قضايا… وشبهات لا تسقط بالتقادم
منذ سنوات، يواجه نتنياهو سلسلة من القضايا الجنائية التي تمس جوهر النظام السياسي الإسرائيلي، وتشكل تهديدًا مباشرًا لاستمراره في الحكم.
القضية الأولى: الهدايا مقابل النفوذ
تتعلق بتلقيه وزوجته هدايا فاخرة، من بينها السيجار وزجاجات شمبانيا، من رجلي الأعمال أرنون ميلتشن وجيمس باكر، مقابل تسهيلات ضريبية وتأشيرات سفر ودعم صفقات إعلامية.
الشاهد الرئيس في هذه القضية هو رئيس طاقمه السابق، أوري هارو.
القضية الثانية: مقايضة الصحافة بالقانون
وثقت تسجيلات صوتية لنتنياهو وناشر صحيفة يديعوت أحرونوت، نوني موزيس، اتفقا فيها على تحسين صورة نتنياهو إعلاميًا مقابل تقييد توزيع صحيفة إسرائيل اليوم المنافسة.
ورغم أن الاتفاق لم يُنفذ قانونيًا، إلا أن الأثر الإعلامي ظهر بوضوح في توجهات الصحيفة.
القضية الثالثة: إعلام مقابل مليارات
تُعد الأثقل في الميزان القضائي، حيث قدم نتنياهو امتيازات حكومية لشركة بيزك، تعود ملكيتها لشاؤول إلوفيتش، مقابل تغطية إعلامية داعمة له في موقع والا الإخباري.
القضية تضمنت توجيه تهم الرشوة وخيانة الأمانة والغش.
القضية الرابعة: صفقة الغواصات الألمانية
رغم عدم اتهامه رسميًا، فإن لجنة التحقيق الرسمية وجهت تحذيرًا صريحًا لنتنياهو بسبب سلوكياته أثناء صفقة شراء غواصات ألمانية.
الوثائق الداخلية التي حصلت عليها جهات ألمانية تؤكد دفع رشاوى لمسؤولين إسرائيليين كبار، وتشير إلى أن نتنياهو مكّن تلك الصفقة، رغم تحذيرات أمنية.
الرسائل الموجهة له من لجنة التحقيق اتهمته بتشويش منهجي لآليات اتخاذ القرار، والمس بأمن الدولة وعلاقاتها الدولية.
المؤسسة الأمنية تنتفض
أرسل عدد من رؤساء الموساد السابقين، وقادة الجيش، ومسؤولين في مجلس الأمن القومي، رسالة علنية يتهمون فيها نتنياهو بتهديد بنية الدولة الإسرائيلية.
الرسالة حملت لغة غير مسبوقة، حيث أكدت أن استمراره في الحكم يمثل خطرا وجوديا، وأن الانقسام الذي أحدثه في مؤسسات الدولة ينذر بانهيار داخلي في وقت تواجه فيه إسرائيل تحديات أمنية متصاعدة.
ترامب يدافع عن “حليفه”
الرئيس الأميركي ، دونالد ترامب، خرج بموقف حاد، وطالب الإسرائيليين بمنح نتنياهو العفو الكامل.
ترامب اعتبر أن ما تعيشه إسرائيل اليوم هو أعظم فترة في تاريخها، مستعرضا ما تحقق في فترة تحالفه مع نتنياهو، مثل ضرب المنشآت النووية الإيرانية، تحجيم حماس، ردع حزب الله، وتنسيق الرد مع إيران لتفادي استهداف قواعد أميركية.
لكن مواقف ترامب، كما اعتاد الجميع، ليست مجانية.
فهو يرى في نتنياهو حجر الأساس في معسكر مواجهة إيران، والضامن الوحيد لاستمرار شبكات التحالف مع بعض دول الخليج.
مطالبته بالعفو عن نتنياهو ليست دفاعًا عن رجل، بل عن مشروع.
العفو مقابل الاعتزال: صفقة لم تولد
سبق لنتنياهو أن أبرم اتفاقًا مبدئيًا مع المستشار القضائي السابق للحكومة، أفيخاي مندلبليت، تضمّن ثلاث نقاط:
شطب تهم الرشوة، وقف تنفيذ أي حكم بالسجن، واعتزال الحياة السياسية نهائيًا.
لكن المستشارة القضائية الحالية، جالي باهراف مياره، رفضت الصفقة، وأصرت على محاكمته كمواطن لا كزعيم فوق القانون.
منذ ذلك الحين، بدأ نتنياهو ووزير العدل ياريف ليفين تحركات مكثفة لعزلها، معتبرين موقفها تهديدًا وجوديًا له.
الحرب كورقة ابتزاز
مع تصاعد الحرب المفتوحة مع إيران، صرّح نتنياهو أن هناك فرصة تاريخية لصناعة واقع جديد في الشرق الأوسط، مشيرًا إلى أن هذا التوقيت لا يحتمل الانقسام الداخلي أو تضييع “الفرصة”.
لكن الرسالة كانت موجهة بشكل غير مباشر إلى القضاء، خاصة إلى المستشارة القضائية:
إما منحي العفو الآن، أو خسارة الفرصة التي قد لا تتكرر.
الختام: حين يسقط الرمز
لم يعد نتنياهو مجرد رئيس حكومة، بل رمزًا لنظام سياسي كامل.
سقوطه المحتمل لم يعد شأناً قضائيًا فحسب، بل اختبارًا حاسمًا لمدى صلابة الديمقراطية الإسرائيلية، ولقدرة الدولة على فرض سيادة القانون على أقوى رجل فيها.
إذا خرج من المحاكمة منتصرًا، فقد يسقط لاحقًا في ميزان التاريخ.
وإذا سقط الآن، فلن يسقط وحده، بل قد يأخذ معه رواية بكاملها، كانت ذات يوم تُقدّم كقصة “نجاة الحلم الصهيوني”.