إبراهيم قزاز: شيخ الأزهر وغريتا – لماذا لا تدعمنا المصادر الدينية؟

إبراهيم قزاز: شيخ الأزهر وغريتا – لماذا لا تدعمنا المصادر الدينية؟

 

إبراهيم قزاز

مقدمة:
في هذا العالم المشوّه، يبدو أن على المسلمين أن يتعلّموا دروس الأخلاق ومواقف الكرامة من اماكن اخرى غير كليات الشريعة. غريتا  تونبيرغ فتاة سويدية و ناشطة بيئية لم تتجاوز العشرين بكثير، لا تعرف العربية، ولم تحفظ من «أمهات الكتب» شيئًا، لكنها فهمت “حفظ النفس” ومقاصد الشريعة الاسلامية  بفطرتها السليمة وارتجف قلبها لأشلاء غزة أكثر من عمامة شيخ الأزهر، وضميرها استيقظ على صراخ الأطفال تحت الركام، بينما «الإمام الأكبر» يغطّ في نوم عميق تحت وسادة الحاكم.
ضريبة الشهرة و خيانة النخب
مواقف شيخ الأزهر هي مرآة لتواطؤٍ مخزٍ لكثيرٍ من المثقفين العرب مع السلطة ضد مصالح شعوبهم ويفضح في أقل الأحوال عجزهم عن فعل مِعْشار ما فعل نشطاء غير عرب في كل قارات العالم. وكما حذّرنا المفكر الأردني الراحل ليث شبيلات: «ضريبة الشهرة أن تكون في الصفوف الأمامية لتقول لا للطغاة». لكنّ “نخبنا العربية” و على رأسها شيخ الأزهر الذي يمثل أكبر وأعرق مؤسسة إسلامية، في العالم آثرت السلامة ودفعت ضريبة الصمت لا ضريبة الشهرة، فخسرت مرتين: الموقف المشرف واحترام الشارع العربي .
تحويل الغضب الكامن الى فعل منتج
غريتا، التي جُبل نضالها من أجل الكوكب، لم تتردّد في إعلان تضامنها الكامل مع شعب يُباد على الهواء مباشرة. رفعت صوتها في وجه قادة الغرب الذين يسوّقون القتل على أنه «دفاع عن النفس»، واتُّهمت علنًا إسرائيل بارتكاب جرائم، فكان جزاؤها الإقصاء من المحافل، والتحريض الإعلامي، وحتى الاتهام بمعاداة السامية. ومع ذلك، لم تصمت وقادت مع نشطاء آخرين سفينة كسر الحصار عن اهل غزة وتعرضت الى الاعتقال وسوء المعاملة من العدو الصهيوني.
في المقابل، يخرج علينا شيخ الأزهر – إن خرج أصلًا – ببيانات متأخرة، فاترة، تُجيد فنَّ التعميم، فلا يُذكر في غالبها القاتل، ولا تُسمّى الضحية، وكأننا أمام زلزال طبيعي لا مجزرة صهيونية. بل الأدهى أنّ هذا الصمت ليس وليد اللحظة، بل امتداد طبيعي لمسيرة تواطؤ طويلة بدأت منذ أن ارتدى العمامة لخدمة العسكر، لا لخدمة الدين.
 خسارة مركبة
هذا الموقف لا يلطّخ صورته فحسب، بل ينسف ثقة الناس بالأدوار الدينية برمّتها. عندما يرى العامّة شيخ الأزهر يتهرّب من قول الحق، فمن الطبيعي أن يتساءلوا عن جدوى المؤسسات الدينية، وعن مغزى الألقاب الضخمة التي تُمنح لرجالٍ يلوكون النصوص ثم يلوذون بالصمت حين يتطلّب الأمر شجاعة.
 إنك لا تجني من الشوك العنب
فلننسَ غزة للحظة ولنعد إلى عام 2013. شيخ الأزهر ذاته اتى مهرولاً ليقف إلى جانب انقلاب على أول رئيس منتخب في تاريخ مصر. لم يهتزّ ضميره حين سُفكت الدماء في رابعة، بل سكت وسوّق رواية العسكر. ومُذّاك ، صار الأزهر ملحقًا من ملاحق القصر، تُكتب خطبه في مكاتب الأمن، وتتحدّد «الخطوط الحمراء» بقرارات سيادية.
كنا نتمنى ان نرى مواقف تليق بالأزهر وقادته التاريخيين تنسينا عام 2013 وكان المنتظر من شيخ الأزهر أن يقود أئمته – بل أئمة العالم الإسلامي كلّه – وأن يقتحم معبر رفح لإنقاذ أخوه الدين والدم. اليوم، وبعد أشهرٍ من الإبادة في غزة، مصر التام للكيان الصهيوني وإغلاق المعبر وابتزاز الخارجين منه بالاف الدولارات وفرض إتاوة على شاحنات المساعدات، وطرد القوافل الدولية، ومنع حتى نشطاء الغرب من الدخول، يكتفي الشيخ “الطيب” ببيانٍ بارد عن «السلام» ويغضّ الطرف عن جريمة الخنق الجماعي عند بوابة مصر.
 مزيد من الانحدار
ولعلّ أكثر ما يُفسّر انحداره أنّه قَبِل أن يُزجّ اسمه في «الدين الإبراهيمي» الجديد سيّء الصيت؛ ، الذي يُروَّج كجسرٍ تطبيعيّ مع إسرائيل، ولعله حين وضع توقيعه هناك،  لم يدرك انه ضرب ما تبقّى من مصداقيته في مقتل، وها هو اليوم يجني ثمار تلك الصفقة الرمزية: عزلة شعبية، ورفض شبابي، وانكشاف كامل أمام مجازر غزة.
 خاتمة
يا فضيلة الإمام، إن لم تستطع أن تقول كلمة حق، فتنحَّ يرحمك الله، خير لك من صمت المتواطئين. لا تعتقد أن عمامتك تُعفيك من الحساب؛ أطفال غزة لن يغفروا لك، والتاريخ لا يرحم مَن تخلّى عن دوره حين دقّت ساعة الاختبار.

إن المقارنة بين شجاعة غريتا وتخاذل “الطيب” ليست مجرد مقارنة بين شخصيتين، بل هي مقارنة بين عالمين: عالم الشرف والكرامة، وعالم الجُبْن والتقاعس. عالم يدافع فيه الإنسان عن المظلوم مهما كان الثمن، وعالم آخر يُساوم فيه على دماء الأبرياء مقابل كرسي أو منصب. لقد كشفت حرب غزة أقنعة كثيرين، وفضحت حقيقة مؤسسات ظن بعضنا  فيها خيرا أنها صامدة.

شتّان بين من يصمت أمام المذبحة، ومن يصرخ في وجه القاتل.

مواطن عربي مغترب