إيران في تقييم الأمة الإسلامية وآثار الفوضى “العسكرية والسياسية” للولايات المتحدة وإسرائيل

فؤاد البطاينة
أًخضعت غالبية بلدان العرب ونزع سلاحها وسيادتها وحُجم اقتصادها بتزاوج روح الاستسلام مع تبني الغرب وأمريكا للكيان ووجوده. وهذا التبني لسببين، الأول كونه لهم مستعمرة بمضمون قاعدة عسكرية بحجم فلسطين. والثاني يكمن في جواب السؤال “الى أين سيعود هؤلاء الخزريين المتهودين اليديشيين االمتبعين لكل قذارات العهد القديم والتلمود فيما لو سقط كيانهم إلى غير بلادهم الأوروبية وروسيا بثقافتهم المعادية للمسيحية. سيما وللأوروبيين تجربة خمسة قرون من الصراع مع هؤلاء الخزريين متعددي القوميات. ومن هنا جاء دعمهم اللامحدود يطال إعفاء الكيان من التزاماته بالقانون الدولي ومن مسؤولية ارتكاب المجازر والمحارق، ومن كل المعايير التي تنطبق على الدول والبشر. *
إلا أن هذا الوضع “لاسرائيل ” لن يبقى على هذا النسق، بل هو في تغيير بالاتجاهين المتعاكسين رهناً بتطور أو تغيير مسار المصالح الأمروأوروبية في المنطقة من ناحية، وبالتطورات العالمية المرتقبة على خلفية أولوية أمريكا ترامب في التسيد الأحادي القطبية على العالم، الذي يتطلب صراعها مع الصين لإعادة تشكيل جغرافيا الاقتصاد في العالم بعد أن أصبح معيار الإقتصاد بديلا عن معيار القوة العسكرية للهيمنة. والصين هنا قد تخسر في الحالة الثنائية ما لم تنخرط في تحالف أسيوي استراتيجي فيه إيران بيضة القبان.
الخضوع لمعادلة التزاوج جعل دول المنطقة في واقع سياسي وعسكري فيه يضع بعضهم نفسه ومقدراته في خدمة الكيان وأمريكا حتى بالحرب الإبادية على مدنيي غزة، وفيه مصر الإمبراطورية تخضع لشروط دولة كأثيوبيا، وتشارك بحصار غزة الذي لا ينجح بدون دورها. وجزيرة العرب تدفع الجزية للغرب، وليس من هذه الدول من تستطيع حماية نفسها، ولا من نظام يجرأ على إسناد أخر، ولكنها تدوس على رقاب شعوبها بالكرباج الأمريكي. “أكباش وخراف وأرانب في زريبة واحدة “.
لماذا إيران وحدها شذت ولم تخضع لمعادلة التزاوج، ولماذا يسعى الأمروصهيوني منذ نصف قرن الى تغيير نظامها كمحطة نهائية ولم ينجح، وانتقل لقصفها مباشرة لإنجاز ما عجز عنه الكيان، وإلى التهديد بقتل المرشد رغم أن التنفيذ لا يعني بالضرورة إحداث فوضى وتغيير النظام كما يتصور.*
بهذا اضع الحقائق التالية كملاحظات:
ـ 1: منذ نهاية الحرب الأولى ودخول العرب في مرحلة صراع تحرر أو تحرير لم نشهد سوى الحركات ذات الطابع الديني فاعلة بنضالها.
ـ 2: استندت الصهيونية على العنوان الديني التوراتي في ادعائها بفلسطين وفي حشد الهجرة لها وفي بناء عقيدتها القتالية، حيث سخرت الصهيونية العلمانية الثقافة التوراتية الارهابية التي تعتبر قتل الآخر ونكران حقوقه البشرية “عبادة وتقربا لربها رب الجنود “.
ـ 3: وفي الإسلام نجد الموت في سبيل الله وحماية الاوطان والدين وألمقدسات الذي نختصره بالجهاد، عبادة وفرضاً على المسلم يدخله الجنة بلا حساب.
ـ 4: لجوء ملوك الحروب الصليبية لاستخدام العنوان الديني لحشد قوة الدهماء والمستعدين للموت في سبيل الدين. ومؤخراً استخدم الأمريكي الدين الإسلامي في حربه على الإرهاب في الاتجاهين، صنع منظماته بمضمون مزيف ليكون متهماً، وجعل المسلمين مواجهين له.
ما أريد قوله، أن لا عاطفة قادرة على التغلب على الحياة ومكاسب النفس بل وعلى العقل اكثر من العاطفة الدينية. ولا أيدولوجية تفوق الدينية تأثيرا وقوة في حالات الهجوم والدفاع والصمود والتصدي والثبات، ولا نظام دولة في هذا العالم يُقدم المبادئ على المصالح إلًا الديني الحقيقي، ومصطلح صدام الحضارات حقيقته صدام الثقافات والدين مكونها الأساسي. النظام الإيراني هو الإسلامي الوحيد في العالمين العربي والإسلامي واليمن وصيفاً. فالإستسلام ليس في قاموس أصحاب الحق والعقيدة حتى الإرتقاء. ولا أدل على ذلك من رد إيران بقصف القاعدة الأمريكية.
النظام الإيراني المتمثل ,,بمركزية المرشد,, وحده يسطر للعالم مثال صمود الكرامة الإنسانية بكل أوجهها أمام القوة الغاشمة، بالعقيدة الحقة. ووحده الملتزم بواجبه الديني برفض الإعتراف بكيان يحتل أرض الإسلام، وبتحرير فلسطين ومقدسانتها، ويدفع الدم والمال والمقدرات كالفلسطيني على مذبح العقيدة والعدالة ومرضات الله، ولست بمعرض الرد على من له رأياً مختلفاً، فإناء إيران يفيض بما فيه. ولا أسوق لمذهب، فليس به يسترشد المرشد بل بكتاب الله، ولستُ من المؤمنين والمتعاطين بالمذاهب.
وفي سياق التهديد باغتيال المرشد أذكر بنقطتين:
ـ الأولى: أن غاية العدو النهائية والمزمنة هو تغيير أو إسقاط النظام.
ـ والثانية: أن مركزية المرشد ليست معزولة عن الدولة والنظام. وبالتالي فإن شروط تحقيق هدف اغتيال المرشد غير متوفرة في إيران، بل متوفرة في النظم الدكتاتورية التي تتمثل بشخص القائد الصنم. فلسنا أمام أمثلة نعرفها والتي فيها التخلص من القائد يعني انهيار النظام والدولة أو استبداله بعميل ينصبونه. فالنظام الايراني مستقر في دولة مؤسسات وأجهزة، وجيش عقائدي، وآلية نقل السلطة فيها ممأسسة وتنجز بساعة من الزمن. وعليه فإن تهديد العدو باغتياله ماهي إلا في سياق الضغوطات السياسية للتنازلات، وإن الإقدام على اغتياله مبنياً على أمل إحداث فوضى في ساعة فراغ وتحريك عملائه ضمن خطة مسبقة وهذا عمل اليائسين، وتوقع الفاشلين *
أمريكا واسرائيل عاشتا حالة فوضى سياسية وعسكرية يحتمها الفشل في تحقيق أي هدف لهما على أي من الجبهات، ويعززها الرفض العالمي لجنون الأهداف وبربرية السلوك وتناقضه كليا مع القوانين والأعراف والقيم، والفشل في تشكيل أي تحالف اقليمي أو دولي على إيران. نعم ايران خرجت منتصرة وبتطلع لنهج تسليحي متطور عن السابق، إلا أن هذا النصر كان هدية مجانية للصين وروسيا، وأعطى درسا للكيان وأوروبا وأنظمة المسلمين بأن الخضوع للباطل ذل وسقوط وهزيمة، والدفاع عن النفس حق وكرامة وصمود، وأن الإستسلام للعبيد، وتأنفه الدواب، وبأن هناك من يجرأ على مواجهة الكيان وعقابه، وهناك من يسميه محتل لفلسطين .
ولو لم تكن النتيجة خروج إيران من العدوان واقفة مرفوعة الهامة، فللمراقب عندها أن يتصور ما شاء بما كان سيكون، فكل محذور في المنطقة وما خلفها يصبح ممكنا وتتكرس سياسة البلطجة الصهيونية، ومصطلح الشرق الأوسط يزول، وتتحول اقطار العرب من مستعمرات الى اقطاعيات صهيونية، وتغط القضية الفلسطينية في سبات عميق. والصنم الذي لا يحني ظهره ويعلن عبوديته يُترك لعبيده يسحلونه، والخليج يفقد عروبته ومقدراته، وترامب يعلن الابراهيمية ديانة رسمية للمنطقة وسيكون التالي تركيا، والسلاح الباكستاني قضية، وتعدد القطبية يصبح خلفنا.
كاتب عربي اردني