د. نبيل أحمد الدرويش: الرد الإيراني على الهجمات الأمريكية يتطلب تنفيذ المزيد من الضربات النوعية ضد الاحتلال الإسرائيلي ليكون فعالاً.

د. نبيل أحمد الدرويش: الرد الإيراني على الهجمات الأمريكية يتطلب تنفيذ المزيد من الضربات النوعية ضد الاحتلال الإسرائيلي ليكون فعالاً.

 

 

د. نبيل أحمد الدرويش

في تطور خطير يعيد خلط أوراق الصراع الإقليمي، شنّت الولايات المتحدة، فجر الأحد الماضي، ثلاث غارات جوية دقيقة استهدفت منشآت نووية إيرانية في نطنز وفوردو وأراك، في واحدة من أوسع العمليات الأمريكية المباشرة ضد إيران منذ اغتيال قاسم سليماني. وقبل هذه الضربات، كان الكيان الإسرائيلي قد صعّد بشكل غير مسبوق من عملياته العدوانية والتخريبية داخل العمق الإيراني وبدعم ومشاركة امريكية غير مباشرين، مستهدفا منشآت بحثية وعسكرية، واغتيال قيادات عسكرية مؤثرة  وشخصيات علمية نووية.

إيران لم تنتظر طويلًا، إذ جاء الرد على الكيان عبر عملية “الوعد الصادق 3″، التي اعتبرها مراقبون تحوّلًا نوعيًا في الرد الإيراني، حيث استهدفت مواقع عسكرية واستخباراتية حساسة ومنشآت حيوية داخل الأراضي المحتلة، شملت قاعدة “نفتيم” الجوية ومراكز قيادة في النقب والجليل.

لكن رغم الضربة الإيرانية الواسعة، يبقى السؤال الجوهري: هل كانت هذه العملية كافية للردع؟ وهل يمكن لإيران أن توقف التصعيد الأميركي-الإسرائيلي من دون ضرب العمق الصهيوني بمزيد من العمليات النوعية والموجعة؟

* واشنطن تعود إلى سيناريو “الضربات الاستباقية”

لم تكتفي واشنطن بالدعم والمشاركة بصورة غير مباشرة في عدوان الكيان على إيران حيث قررت شن غارات نوعية غير مسبوقة استهدفت المنشآت النووية الإيرانية وأعادت إلى الأذهان سياسات “الضربات الاستباقية” التي تبنّتها واشنطن ضد العراق وسوريا سابقًا. لكنها هذه المرة تأتي في سياق مختلف تمامًا: إيران قوة نووية بالقدرة، وتملك شبكة إقليمية من الحلفاء، وقدرات صاروخية وعسكرية متقدمة.

وفضلا عن ذلك فإن الغارات استهدفت منشآت مدنية وفق القانون الدولي، ومواقع خاضعة للرقابة الدولية، ما يجعل المبرر الأميركي بالحديث عن “انتهاك اتفاق 2015” غير ذي قيمة قانونية. وفي جوهر الأمر، الرسالة الأميركية كانت سياسية وعسكرية في آن: لا خطوط حمراء لطهران بعد الآن، ولا غطاء روسي أو صيني يمكنه حمايتها فعليًا في الميدان.

* الكيان الإسرائيلي يحرّض

الهجمات الإسرائيلية التي سبقت وتزامنت مع الغارات الأميركية ليست معزولة، بل جزء من سياسة ممنهجة عنوانها: تقويض الداخل الإيراني، ومنع أي تحوّل استراتيجي يعزز موقف طهران في مفاوضات فيينا أو في الساحات الإقليمية.

* “الوعد الصادق 3”: كسر للخطوط الرمزية

أعلنت طهران، مساء الاثنين، عن تنفيذ عملية “الوعد الصادق 3″، ردًا على الضربات الأمريكية والإسرائيلية. العملية شملت إطلاق مئات الصواريخ الباليستية ونحو الف مسيرة دقيقة على مواقع عسكرية واقتصادية في عمق الكيان، تم اختيارها بدقة: من قاعدة “نفتيم” الجوية إلى مركز قيادة إلكتروني في النقب، مرورًا بمخازن ذخيرة قرب الجليل الأعلى.
الحرب السيبرانية ايضا أصبحت جزءًا من المعركة، بعد استهداف ايران شبكات إسرائيلية للطاقة والتحكم الجوي.
ومع كل ذلك لازال هناك العديد من الاهداف في صلب الكيان التي يجب على إيران ألا تتهاون في ضربها فإن خاصة وان هذه الأخيرة لم تستخدم قدراتها الصاروخية الآكثر تطورا وتدميرا.
والواقع يفرض عليها ألا تنشغل بالرد على الهجمات الأمريكية الاخيرة .. لأن ذلك سيستنزفها وسيتيح المجال للكيان في اعادة تمركزه وترتيب اوضاعه.

* لماذا العمق الصهيوني هو مفتاح الردع؟

الرد على الغارات الأميركية لا يجب أن يُوجّه فقط إلى واشنطن، بل إلى من حرضها واستثمر في الصراع: الكيان الصهيوني.

فالكيان الإسرائيلي هو المستفيد الأكبر من ضرب قدرات إيران النووية، وهو صاحب استراتيجية “الاحتواء النشط” ضدها، عبر التخريب، والاغتيالات، وتحريك جبهات الاشتباك في سوريا وغزة ولبنان.

إن ضرب العمق الإسرائيلي – سياسيًا واقتصاديًا وعسكريًا – هو وحده الكفيل بكسر هذه المعادلة. ضربات نوعية تستهدف بنى تحتية استراتيجية، كمحطات الطاقة النووية السرية، أو المراكز البحثية الحيوية، أو حتى الموانئ الاقتصادية، ستُرغم تل أبيب على مراجعة حساباتها، وتجعلها تعيد النظر في كلفة استمرارها في الحرب المفتوحة.

* ختاما:  الردع لا يُصنع بالرمزية

عملية “الوعد الصادق 3” هي بداية لتحول استراتيجي في العقل العسكري الإيراني، لكنها لن تكون كافية إذا توقفت عند هذا الحد. الردع، كما أثبتت التجارب، لا يتحقق بالردود الموضعية، ولا بالتكتيكات المحدودة، بل بفرض معادلة جديدة يكون فيها استهداف إيران مكلفًا إلى الحد الذي يجعل العدو يُفكر ألف مرة قبل أن يُقدم على أي مغامرة عسكرية.

ما لم يدفع الكيان الإسرائيلي ثمن تحريضه واعتداءاتها داخل إيران، ستبقى واشنطن تستسهل توجيه الضربات، وستبقى طهران رهينة ردود محسوبة لا تُجبر العدو على التراجع.

إن الضربات النوعية داخل العمق الصهيوني لم تعد خيارًا متطرفًا، بل ضرورة استراتيجية لصناعة توازن جديد يُعيد رسم قواعد اللعبة في المنطقة.
اكاديمي ودبلوماسي يمني