مهدي مبارك عبد الله: صاروخ سجيل يمثل الأداة الرئيسية للردع في القوة العسكرية الإيرانية!

مهدي مبارك عبد الله: صاروخ سجيل يمثل الأداة الرئيسية للردع في القوة العسكرية الإيرانية!

 

مهدي مبارك عبد الله

مع دخول الحرب بين إيران وإسرائيل نهاية اسبوعها الاول شهدت المواجهات بين الطرفين تصعيد خطير ومتسارع وفي إطار الرد على الاعتداءات الإسرائيلية الأخيرة حيث قامت طهران استكمالا لعملية الوعد الصادق بتوجيه عدة رشقات صاروخية مركزة ومتواصلة إلى الداخل الإسرائيلي استخدمت خلالها انواع مختلفة من الصواريخ الباليستية والفرط صوتية والطائرات المسيرة وهوما ينذر بمزيد من التوتر في المنطقة ويوجه رسالة حاسمة بأن طهران لا زالت تمتلك القدرة الكاملة على ضرب كافة مراكز القيادة والسيطرة والمطارات والموانئ والقواعد العسكرية ومجمعات وزارة الدفاع التي تضم مقر رئاسة الأركان ووزارتي الدفاع والاستخبارات ( العقل العسكري والسياسي ) ومعهد وايزمان للعلوم ( العقل النووي والتقني ) لإسرائيل فضلا عن البنية التحتية والاقتصادية والوزارات والمؤسسات العامة والمستشفيات الحكومية ومراكز الدراسات والابحاث الامنية ومختبرات الصناعات العسكرية ومصافي تكرير النفط وصولا الى الملاجئ المحصنة وقاعات الاجتماعات المغلقة تحت الأرض ومنشآت الطاقة وغيرها كما فعلت قبل ايام في ردها الصاروخي الاخير المركز والمدروس والذي تجاوز الرمزية العسكرية إلى إحداث أضرار حقيقية وعميقة ادمت قلب الدولة العبرية

بالمراقبة والتتبع والتحليل نجد ان هدف ايران العاجل هو محاولة تحقيق ردع  قوي ومؤثر وتوجيه رد حاسم ومزلزل لمنع مواصلة اسرائيل هجماتها الجوية على الاراضي الايرانية حيث اعلان الحرس الثوري مساء يوم الاربعاء الماضي ضمن إطلاقه للموجة الثانية عشرة من هجماته الصاروخية تجاه إسرائيل وفي تصعيد جديد ضمن عملية الوعد الصادق 3 ادخال صاروخ سجيل أحد أبرز الصواريخ الإيرانية الى ساحة المعركة وضربه عدة مواقع حيوية وهامة ما ادخل الرعب والهلع الى قلوب الإسرائيليين الذين هرعوا للملاجئ كالفئران المذعورة حيث لم تعد أي منطقة امنة والاجواء الإسرائيلية اصبحت مفتوحة أمام الصواريخ والمسيرات الايرانية فهل سيغير هذا الصاروخ الوحش ميزان القوة لصالح إيران في جولات الحرب القادمة وما مدى فاعليته وقدرته على تهديد كيان الاحتلال فعلا

صاروخ سجيل هو واحد من ترسانة صواريخ متنوعة تمتلكها إيران والتي تضم أنواعا أخرى من الصواريخ مثل فاتح-110 و ذو الفقار وتشرين وقيام-1 وشهاب-1 وشهاب-2 وشهاب-3 وخرم شهر ورعد-500 وأرض الرافدين وحيدر وزلزال وأشتر ومبين وصاروخ كروز سومار

لقد اعتبر عسكريا ظهور صاروخ سجيل نقطة تحول في الحرب الصاروخية كونه من أبرز الأسلحة الإيرانية المتطورة بعيدة المدى حيث يعمل بالوقود الصلب على مرحلتين وطورته إيران ضمن استراتيجيتها لتأمين قدرة ردع حاسمة ضد الخصوم الإقليميين وعلى رأسهم إسرائيل ويتميز بقدرته التدميرية العالية ومناورته ضد أنظمة الدفاع الجوي وقد أُعلن عن أول تجربة ناجحة له في عام 2008 ويعتبر اليوم نقلة نوعية في قدرات إيران الصاروخية كونه يستخدم وقودًا صلبًا بدلًا من السائل ما يمنحه سرعة إطلاق أعلى وقدرة أفضل على التخفي والردع السريع ويتراوح مداه بين 2000 إلى 2500 كيلومتر وطوله 18 متر اما وزنه الإجمالي عند الإطلاق يصل ما بين 23 و26 طن ويقدر وزن حمولته القتالية بحوالي 500 إلى 650 كجم من المتفجرات ويعتمد على أنظمة ملاحة بالقصور الذاتي وسرعته تفوق الصوت  بما يقرب من 13ماخ في المرحلة النهائية ولديه قدرة هائلة على المناورة داخل وخارج الغلاف الجوي للأرض لتضليل أنظمة الدفاع الجوي كما ان قدرته التدميرية عالية و يمكنه حمل رؤوس حربية تقليدية أو عنقودية وقد صمم ليكون قادر على حمل رأس نووي إن توفّر في المستقل

 

 

استخدام صاروخ سجيل لأول مرة في الحرب الدائرة بين ايران واسرائيل شكل منعطف خطير ومعادلة ردع جديدة نظراً لمداه البعيد وسرعته الفائقة وقدرته على ضرب أي هدف داخل إسرائيل بكل دقة بما في ذلك المنشآت الحيوية في تل أبيب وحيفا وديمونا ومما يصعب على انظمة الدفاع الإسرائيلية مثل حيتس-2 وحيتس-3 اعتراضه على ارتفاعات عالية بالإضافة الى عجز اجهزة الاستخبارات والعملاء عن امكانية رصده وتدميره قبل اطلاقه لاعتماده على الوقود الصلب الذي يجعل زمن التحضير لإطلاقه قصير نسبياً وقد اضطرت طهران لاستخدامه مؤخرا بعد تطور المواجهة واقترابها من أن تصبح حرب شاملة ومباشرة ويدور هنا تساؤل حول عدد صواريخ سجيل المتاحة لدى ايران في مخزونها وهل سيتم استخدامها في رشقات صاروخية قادمة أم لا ومن  المرجح أن تستثمر طهران هذه الصواريخ في توجيه ضربات قوية تجاه مصالح وقواعد أمريكية أو نحو اهداف حيوية في تل أبيب إذا ما تم توسيع دائرة الصراع وتدخل واشنطن رسمياً في الحرب لصالح إسرائيل

‎‎‎‎‎‎‎على الارض ورغم الهجمات الإسرائيلية المتلاحقة على منصات ومنشآت لإنتاج المواد الخام والمركبات الخاصة بتجميع الصواريخ الباليستية فقد أطلقت طهران منذ بدء عملية الأسد الصاعد ما لا يقل عن 400 صاروخ باليستي وألف مسيرة وقد أصابت دفعة جديدة من الصواريخ الإيرانية يوم الخميس الماضي مبني للاستخبارات قرب مستشفى سيروك في جنوب إسرائيل بالإضافة الى ضرب مدينتين قرب تل أبيب ما أسفر عن إصابة ما لا يقل عن 47 شخص

الاستهداف الجوي الإسرائيلي المتواصل للقدرات الصاروخية الإيرانية قد يؤدي إلى تقليل عدد الرشقات الصاروخية إلى مستوى يتيح لأنظمة الدفاع الجوي الإسرائيلية وخاصة القبة الحديدية التعامل معها رغم ما تظهره من فشل متواصل ‏لكن من غير المتوقع أن تتمكن الدفاعات الاسرائيلية من القضاء نهائيا على هذه القدرات خاصة مع احتمال وجود دعم عسكري صيني سري للإيرانيين بموجب اتفاقيات سبقت اندلاع الحرب الأخيرة كما يجب ان نتذكر ان للصين تاريخ طويل في إمداد إيران بالأسلحة رغم الانتقادات الدولية مثل إرسالها آلاف الأطنان من مكونات الصواريخ الباليستية التي استخدمتها إيران في تطوير اسلحتها النووية

الملاحظ خلال متابعة مجريات المعركة ان طهران حتى الآن لم تستخدم من أسلحتها الثقيلة والاستراتيجية منذ بدء هجوم الاحتلال ضدها الا عدد محدد من الطرازات الصاروخية الاعتيادية مثل خيبر والحاج قاسم والذين أصابا مواقع متعددة في تل أبيب وأحدثا دمارا كبيرا واما من الصواريخ المدمرة فلم تستخدم بكثافة عالية بعد صواريخ  ( فاتح 2 والجيل الجديد من سجيل وصواريخ خرمشر ) التي لا يقل وزن الواحد منها عن طنين وبعضها فرط صوتية قادرة على تغيير مسارها أثناء الطيران اضافة الى بعض صواريخ كروز السريعة التي يصعب جدا اكتشافها واعتراضها والتي تحتفظ طهران بها لبقية عملية الوعد الصادق3 أو لتوجيه الضربة الختامية غير المحددة الموعد والمؤكد هنا ان الصواريخ والمسيرات الإيرانية على طول الاسبوع الماضي هاجمت أهدافا إسرائيلية على امتداد فلسطين المحتلة من الناقورة شمالا وحتى إم الرشراش جنوبا واحدثت دمار كبير لم تشهد مثله إسرائيل من قبل

الواقع الاسرائيلي المؤلم والحرج جعل قادة الاحتلال يأملون بدعم عاجل من امريكا في الحرب ضد إيران من خلال مساندتهم بطائراتها من طراز B-2 وB-52 وباستخدام قنابل ضخمة لا تملكها اسرائيل خاصة بعد ما أحدثته الصواريخ الإيرانية خلال الايام القليلة الماضية دمار واسع وخلفت عشرات الإصابات بعضها في حالة حرجة في مناطق مختلفة داخل اسرائيل أبرزها وسط تل أبيب وبئر السبع مما يهدد بانهيار منظومة الفصل الايراني بين الأهداف العسكرية والبنية التحتية الحيوية والتي ستضع اسرائيل على حافة الهاوية والمستغرب اسرائيليا ان الهجمات الإيرانية نجحت في الوصول إلى العمق رغم اعتماد الاحتلال على منظومات دفاعية متقدمة طّورها عبر سنوات لمواجهة صواريخ فصائل المقاومة الفلسطينية خصوصًا حماس ومقاتلي حزب الله في لبنان وهنالك بعض المسيرات الانتحارية لم تستخدم بعد

للحقيقة ان اختراق الصواريخ الايرانية للخطوط الحمراء لمنظومة الدفاع الجوي الإسرائيلية اعاد الثقة بالنفس الثوري والروح القتالية للجنود والمواطنيين وضاعف من الضغط النفسي على اسرائيل بعدما فشلت انظمة القبة الحديدية ومقلاع داوود وأرو 3 وثاد الامريكي في مواجهة الهجمات الصاروخية الإيرانية الجديدة خاصة مع زخمها والتي شملت الطائرات المسيرة والصواريخ الباليستية في موجات متتالية كما وجهت ايران غبر صواريخها رسالة قاسية للإسرائيليين كجزء من الحرب النفسية العميقة إما ( أن تختاروا الموت البطيء في الملاجئ أو الفرار من الأرض المغتصبة لتبقوا أحياء )

السؤال المهم في خضم تلاطم الاحداث هل يدخل هذا التصعيد تل أبيب في معادلة ردع جديد بعدما حطت الصواريخ الايرانية في مدن حيفا وتل أبيب وقيسارية ورمات غان وبتيح تكفا وبني براك وبيت يام وبيت شيفع وريشون لتسيون وما اسفر عنها من مقتل 24 شخص وإصابة اكثر من 800 فيما تتحدث مصادر غير رسمية عن أعداد أكبر وسط تكتم رسمي غير معتاد وما تبع ذلك من حدوث صدمة داخل المجتمع الإسرائيلي انعكست في تهافت المدنيين على الملاجئ وارتفاع غير مسبوق بنسبة 350% في طلبات الدعم النفسي بسبب حالة الذعر والتململ والخوف في صفوف المدنيين ناهيك عن الأزمة السياسية  المتفاقمة اصلا داخل الحكومة الاسرائيلية

بعض الخبراء والمراقبين أكدوا في المحصلة أن المنطقة تتجه نحو مواجهة شاملة وغير مسبوقة حيث لم يكن الرد الإيراني مجرد ردة فعل وقصف انتقامي بل ضربة استراتيجية موجهة استهدفت قلب المنظومة الاسرائيلية وفتحت الباب واسعا أمام معادلة ردع جديدة تربك حسابات الاحتلال وتدفعه إلى إعادة التفكير في خياراته العسكرية والسياسية مع التأكيد بان الهجوم الإسرائيلي الذي نفذته عشرات المقاتلات الاسرائيلية ضمن عملية الأسد الصاعد لم يسفر عن النتيجة المرجوة منه بل أتى بنتائج عكسية فبدل أن يظهر قوة الردع الإسرائيلية فجر أكبر واعنف هجوم صاروخي تتعرض له تل أبيب في تاريخها ورغم كل هذا لا يزال الرئيس الأميركي الابله دونالد ترامب يدعو الرئيس الإيراني للاستسلام غير المشروط إلا أن طهران تقف بقوة وترفض علنا حتى مجرد الرضوخ للتفاوض ووقف الهجمات الصاروخية تحت الضغط والقصف والدمار

مقابل كل هذا على اسرائيل ان تعلم بان دخول صاروخ سجيل المعركة يعني أن ما بعده لن يكون كما قبله وقد يفقد الاحتلال معه القدرة على التحرك بحرية أو تنفيذ ضربات استباقية دون دفع الثمن الاستراتيجي العسكري والاقتصادي والاجتماعي والتنموي وان زمن الحروب من طرف واحد انتهى وسماء اسرائيل لم تعد آمنة والدروع التي كانت تحميها بدأت تتصدع وهنالك خشية متزايدة من انزلاق إسرائيل إلى حرب استنزاف طويلة الامد وفقدان نتنياهو زمام القرار في المعركة وعدم قدرته على تحمل التبعات العسكرية والسياسية مع بروز تحديات كبرى تتمثل في مواصلة التصعيد ومحاولة موازنة الضربات الإيرانية على الجبهة الداخلية مع الهجمات الإسرائيلية في العمق الإيراني

في ذات السياق فان أي دعم امريكي مباشر لإسرائيل سيقابل برد تقني واستراتيجي من أعلى طراز صاروخي مدمر ومن المفيد ان نشير ايضا الى ان  ظهور صاروخ سجيل قد خلط الأوراق الأمنية للدول المستضيفة للقواعد الامريكية والغربية القريبة والبعيدة ووضعها في مرمى نيران التحذير الإيراني الضمني وبهذا فقد تأكد للجميع  ان إيران لم تطلق مجرد ( صاروخ جديد ) بل أطلقت ( رسالة استراتيجية متكاملة ) هزت اركان اسرائيل وحلفائها وفي مقدمتهم أمريكا وبريطانيا وبعض الدول العربية المتأسرلة في المنطقة

كاتب وباحث مختص في الشؤون السياسية

[email protected]