كرة تتدحرج نحو شرق أوسط مختلف

 

 

موسى الفرعي
نشوةٌ عابرة تلك التي اجتاحت عقل رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وحكومته، وهو يأمر بشنّ حرب مباشرة على إيران يوم الجمعة الماضية. لحظة انتشاءٍ سياسية ظنّ فيها أنه يُعيد تشكيل قواعد اللعبة في الشرق الأوسط، لكنها ما لبثت أن ارتدت عليه، دافعة المنطقة بأسرها نحو منعطف تاريخي يُبشّر بولادة شرق أوسط جديد، لا يشبه ما كان قبله.
فما بين استغاثة إسرائيلية بواشنطن لمدّ يد العون العسكري، وبين همسات تسري خلف الكواليس بحثًا عن وساطة توقف هذا النزيف، تتكشف هشاشة الرهان الإسرائيلي، وسوء تقدير العقلية التي توهمت أن طهران ستسقط بضربة واحدة.
نسي نتنياهو، أو تجاهل، أن حربه على غزة – والتي امتدت لأكثر من عام – لم تحقق شيئًا من أهدافها؛ فلا حماس انتهت، ولا الأسرى عادوا، بل خرجت المقاومة أكثر صلابة. فكيف له أن يتوهم إسقاط مشروع إيران النووي، وتفكيك قوتها الصاروخية، وربما تغيير نظامها السياسي، في حين أن عقيدة الثورة الإيرانية تقوم على الصبر والمجابهة، وشعبها اعتاد تحويل المعاناة إلى قوة مقاومة؟
وها هي إيران اليوم تُقاتل من موقع من لا يملك ما يخسره، فيما إسرائيل تقف أمام مأزق داخلي يتفاقم، وسط تصاعد الاستهدافات الميدانية اليومية، وتخبط واضح في أدائها العسكري والأمني. وفي هذه اللحظة الحرجة، يطرح السؤال نفسه بقوة: هل ستدخل الولايات المتحدة الحرب إلى جانب إسرائيل؟
الاحتمال وارد، لكنه محفوف بالعواقب. فدخول واشنطن في هذه الحرب لا يعني فقط توسيع رقعتها جغرافيًا لتشمل الخليج والعراق وسوريا ولبنان، بل يعني أيضًا فتح بوابة من اللهب على جنودها المنتشرين في القواعد العسكرية بالمنطقة، وجعل مصالحها الاقتصادية والأمنية عرضة للاستهداف في أي لحظة.
أكثر من ذلك، فإن الدخول الأمريكي في حرب ضد إيران، في ظل تقاطع مصالح القوى الكبرى، سيقود إلى تصعيد قد يتدحرج نحو صراع إقليمي واسع أو حتى حرب عالمية باردة جديدة. وقد تدفع واشنطن ثمنًا سياسيًا باهظًا داخليًا أيضًا، حيث تعارض قطاعات واسعة من الرأي العام الأمريكي التورط في حروب خارجية طويلة، خصوصًا في سنة انتخابية مصيرية.
ووسط هذا المشهد، يبرز موقف باكستان، التي أعلنت استعدادها لدعم طهران إذا تفاقم العدوان، مما يرفع منسوب التوتر إلى مستوى غير مسبوق. أما واشنطن، التي بدأت بلهجة حادة، فقد تخفف خطابها، داعية إلى العودة للمفاوضات، في مؤشر على إدراكها لخطورة التصعيد غير المحسوب.
فهل يُدرك نتنياهو أنه يقامر بما هو أكبر من طموحاته الشخصية؟ وهل تعي واشنطن أن دخولها الحرب قد لا يضمن نصرًا، لكنه يضمن الفوضى؟
إننا أمام لحظة مفصلية، والأيام حبلى بما لم يخطر على البال.
كاتب عُماني