هل تستطيع موسكو إنهاء التوترات بين إيران وإسرائيل من خلال الوساطة؟

احمد حاج علي
لا ريب في أن روسيا تُعَدُّ وسيطاً متوازناً بل الأكثر توازناً في هذا الصراع. بيد أن الولايات المتحدة استبعدت روسيا عن جولات التفاوض الخمس الماضية مع إيران، كما اعتادت على استبعاد روسيا عن مساعي تسوية قضايا المنطقة كافة، ومنها مساعي وقف إطلاق النار في غزة والمنطقة كلها.
روسيا تحافظ على علاقات جيدة مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية – علاقات شراكة واسعة، ولكنها محدودة. فاتفاقية الشراكة تحظر على البلدين مساعدة أي طرف ثالث معتدٍ على البلد الآخر، غير أنها ليست اتفاقية دفاع مشترك.
استفادت روسيا من المساعدة الإيرانية والموقف الإيراني في حربها في أوكرانيا، كما أن إيران استفادت من التكنولوجيات الروسية في تطوير أسلحتها الصاروخيّة افرط الصوتية وغيرها. كذلك فإن الاستثمارات الروسية في الاقتصاد الإيراني، ولا سيما في قطاع الطاقة والطاقة النووية، ذات منفعة كبيرة لطهران. كما ان إصرار مؤسسة “روس آتوم” الروسية على بناء ٨ مفاعلات نووية في إيران حتى بعد اندلاع الحرب الجارية بين الجمهورية والكيان يتسم بدلالات على تمسك الطرفين الإيراني والروسي بإنجازاتهما. ذلك فضلا عن اعتماد روسيا على البوابة الإيرانية في تحويل سلاسل توريدها وخطوطها التجارية جنوباً وشرقاً إلى وسط وشرق آسيا.
من ناحية ثانية، تتمسك موسكو بعلاقاتها الاستثنائية مع الكيان الصهيوني بالرغم من ثبات تعاون تل أبيب ودعمها لنظام كييف وتزويده بتقنيات عسكرية.
ولا تغيب عن الأذهان أوجه الشبه بين مكونات الهجوم الارهابي الأوكراني المدعوم من جهات غربية والذي قد يكون للموساد الصهيوني ضلع فيها، على المطارات الروسية وقواعد القاذفات الاستراتيجية أحد مكونات الردع الاستراتيجي النووي الروسي بطائرات مسيرة أطلقت من شاحنات من داخل روسيا، والهجوم الارهابي الاسرائيلي الذي استهدف إيران وقدراتها الدفاعية ودفاعاتها الجوية وقادتها وعلمائها مع بداية الحرب في ١٣ حزيران / يونيو الجاري.
إذ إن مكونات المسيرات والمقذوفات وتقنياتها وسلاسل توريدها متشابهة بين ما حصل في إيران وروسيا.
روسيا من ناحيتها تراهن على دور دونالد ترامب في تسوية الصراع عند حدودها الغربية مع أوكرانيا المدعومة من الغرب الجماعي، غير أن الولايات المتحدة لم تفِ بتعهداتها ولم تَصدق في وعودها، فالحرب الأوكرانية التي تعهد ترامب بإنهائها خلال ٢٤ ساعة بعد دخوله البيت الأبيض لا تزال مستمرة.
موسكو تدرك أن موقفها التفاوضي مع الغرب الجماعي في حال انهيار إيران وسقوطها سوف يكون أضعف، لكنها لا تستطيع إظهار تعاطف زائد مع الجمهورية الإسلامية رغم الإدانة الروسية الواضحة لعدوان الكيان الصهيوني، وذلك بسبب عدم رغبتها في استفزاز ترامب الذي لا يزال الكرملين يعول على دوره لوقف الحرب مع أوكرانيا على نحو ينسجم مع تحقيق أهداف موسكو عبر عمليتها العسكرية الخاصة في أوكرانيا، وإزاحة شبح العقوبات الأميركية الغربية المرهقة للاقتصاد والدولة الروسية.
بيد أن الأمور بدأت تتخذ اتجاهات أكثر خطورة، وهي تهدد النظام والاستقرار العالميين تماما. واتساع رقعة الاشتباك واحتمال دخول الولايات المتحدة في المواجهة يزداد، الأمر الذي تسعى موسكو لتجنبه بكل إمكاناتها الدبلوماسية وعلاقاتها مع قادة دول المنطقة.
وفي حال تراجعِ الولايات المتحدة الأمريكية عن دعم العدوان الصهيوني على إيران وممارستها الضغوط لوقف الحرب، عندئذ تتوفر الأرضية الملائمة للعودة لطاولة المفاوضات، التي لم يعد من الممكن استبعاد روسيا عنها. وفي الأحوال كلها تفضل موسكو بقاء المواجهة محصورة بين الكيان والجمهورية الإسلامية. ويبدو أن الجمهورية الاسلامية تتفهم ذلك ولو طال أمد الحرب، لكيلا يتسع الصراع لأكبر من حرب إقليمية.
وكما قال الأكاديمي الدبلوماسي الروسي أندريه غروميكو فان “شهر من المفاوضات أفضل من يوم حرب واحد”. فكيف الحال إن كان يوم الحرب هذا غير تقليدي، أي نوويًا!
بادئ ذي بدء: موسكو لديها الوسائل والعلاقات والقدرة على لعب دور وسيط فعال ونزيه وحاسم خلافًا للولايات المتحدة، التي تعد عملياً شريكاً وطرفاً في الحرب، وليست وسيطاً بالطبع.
إذا سلَّم ترامب ومن خلفه نتنياهو بفشل مخططهما في القضاء على قدرات الجمهورية الإسلامية وتدميرها، فلا بديل عن الدور الروسي للتوصل إلى اتفاق طويل الأمد يجنب المنطقة والعالم حرباً مدمرة أكبر وأخطر مما يتخيله أي عقل بشري، وخاصة مع ازدياد مخاوف إغلاق مضيق هرمز وثبات تدخل الولايات المتحدة الأميركية على نحو مباشر في الحرب على إيران.
تفيد الأوساط الدبلوماسية في موسكو ان الحرب مستمرة لأسابيع لا تزيد عن الشهر ، أعطي خلالها نتنياهو حرية الحركة للإجهاز على برنامج إيران النووي و الصاروخي و تدميرهما، فهل ستغضّ روسيا الطرف عن تطور كهذا؟
أما الخطوط الحمر فمنها إغلاق مضيق هرمز، ما قد يعني تدخل الولايات المتحدة المباشر بكل قوة، والعكس صحيح فتدخل الولايات المتحدة يستدعي ردا إيرانيا بإقفال المضيق. خطوط وبوادر الوساطة الروسية بدأت بالتفاعل و لكنها لن تصل لنتيجة قبل انتهاء هذه الأسابيع ما قد يعني غض النظر حتى “يكمل نتنياهو عمله”، فهل يأتي ذلك في سياق تفاهمات بوتين وترامب؟ ثمة افتراض بان انخراط روسيا في إيقاف العدوان الاسرائيلي على ايران قد يمهد لمهاجمة موسكو بالصواريخ الألمانية والبريطانية التي تزودت بها أوكرانيا!
كاتب وإعلامي لبناني
موسكو