د. حرزالله محمد لخضر: الهيمنة الصهيونية والضياع الكبير!

د. حرزالله محمد لخضر: الهيمنة الصهيونية والضياع الكبير!

 

د. حرزالله محمد لخضر
في ظل هذا المشهد السريالي الذي تقف فيه الأنظمة العربية موقف العاجز المتبلد، بعد انخراطها في متاهة التطبيع والتورط في التمكين لكيان دموي وحشي قاتل لا تؤتمن غوائله، ولا يقف عند حد، ولا يخضع لأي قانون وضعي أو قيم إنسانية، أو مبادئ سماوية، يشهد النظام العربي هشاشة غير مسبوقة! هشاشة هي أشبه بالموت السريري، جعلته يقف موقف المفعول به وفيه، المتفرج على مصيره الذي يصنع له، دون أن يمتلك من أدوات السياسة أو الحرب ما يمكنه من التأثير في مجرى الأحداث قيد أنمة؟
ولا شك أن هذه الهشاشة ما كان لها لتَفُتَّ من عضده لولا الاستسلام المطلق لمشاريع الغرب في المنطقة، واستباحتها عسكريا وأمنيا من خلال غرس القواعد العسكرية، وفرض التبعية الاقتصادية والثقافية، مما حولها إلى أشبه بكيانات وظيفية منكشفة ومهزوزة.
 في مقابل ذلك؛ تباين مستوى التعامل مع الكيان الصهيوني عبر استراتيجية مغايرة تماما لا تشبه نظام الحماية -عبر القواعد العسكرية الأجنبية- الذي فُرض على الدول العربية، فالغرب أعطى الضوء الأخضر للكيان الصهيوني لبناء ترسانة عسكرية ذاتية قوية ومتفوقة على جميع دول المنطقة، مع تزويده دوريا بالعتاد المتطور والتكنولوجيا الحديثة، وضمان حمايته عسكريا وسياسيا وقانونيا، وبهذا أصبحت المنطقة الممتدة من العراق والخليج إلى مصر، ومن سوريا ولبنان إلى السودان مرتهنة في يد القوى الغربية وخاضعة لسياساتها قسرا، بحكم المنطق الجيوسياسي والمعادلة العسكرية اللامتكافئة.
أما عن الحالة الإيرانية فإن مما ينبغي التنويه إليه؛ أن التهديد الإيراني للكيان الصهيوني لا يكمن في تفوقه العسكري، بل في محاولته لامتلاك أحد عناصر القوة الاستراتيجية ألا وهو السلاح النووي، الذي يعتبره الكيان تهديدا وجوديا له، ولهذا فإن القضاء على هذا الطموح الإيراني، يعني القضاء على آخر مصادر التهديد للكيان، والتهديد المقصود هنا ليس تهديدا وجوديا كما يزعم قادة الصهاينة، فإيران لم تخض عبر تاريخها حربا مباشرة مع الكيان، ولكنه يستعمل الشماعة الإيرانية كذريعة لبسط سيطرته على المنطقة، وكمحاولة لخلق عدو مشترك مع الدول العربية، قصد استمالة هذه الأخيرة وتحقيق تحالفات استراتيجية معها في المنطقة، وهو ما تم له بالفعل عبر اتفاقات التطبيع والإذعان.
بل إن حقيقة التهديد الإيراني للكيان هو تهديدٌ لتفوقه الاحتكاري العسكري بالمنطقة، الذي ينسحب لزاما على تهديد المشروع الإمبريالي للغرب، الذي خطط له منظروه الاستراتيجيون منذ بدايات القرن الماضي.
 وبهذا يعيد الكيان رسم خارطة جيوسياسية جديدة لمنطقة الشرق الأوسط، كما يتجلى ذلك في تصريحات قادته بشكل مكثف في الآونة الأخيرة، ليتفرغ بمعية قوى الغرب وعلى رأسها الولايات المتحدة بعد التخلص من البعبع الإيراني، إلى تفكيك آخر جيوش المنطقة وهو الجيش المصري، الذي رغم عدم إثارته لأي مخاوف في المنظور القريب والمتوسط، لكنه يبقى بالنسبة للكيان مصدر تهديد محتمل، وسيتم ذلك عبر اختلاق مبررات أمنية وسياسية وتفخيخ حدود مصر، وإغراقها في معضلة الأمن المائي والاقتصادي والحدودي.
  فمصر في المنظور التلمودي الصهيوني هي جزء أصيل من أرض الميعاد، وهي ذات أهمية دينية مقدسة توازي أهمية القدس، بل إن القدس كعاصمة للأرض الموعودة، تمتد -جغرافيا- من حدود سوريا إلى أرض سيناء وما بعد سيناء!
 وأمام كل هذه الخطوب المتلاحقة، والاضطرابات الكثيفة المتوالية، تظل الأمة العربية الإسلامية -أنظمةً وشعوبًا- سادرةً في سكرتها الكبرى، منشغلة بالتناوش والتهارش العقيم والأثيم، بعد أن قَطَّعت أوصالَها الأنانيات، وفَرَّقت شملَها الحسابات، وضيعت جهودها وسياساتها الثرثرةُ البلهاء بلا عمل، والكلام الأجوف بلا تخطيط ولا أمل، وهم إزاء مشاريع الصهاينة في غمرة ساهون، وأمام قضايا أمتهم شركاءُ متشاكسون. ولنا بعد كل هذا أن نتساءل: أين هو موقعنا من دورة التاريخ ؟
أكاديمي جزائري متخصص في العلوم السياسية