حمد التميمي: خفض الفائدة في أوروبا… مخاطرة اقتصادية أم إعادة هيكلة للأسواق العالمية؟

حمد التميمي
يشهد الاقتصاد العالمي مرحلة من عدم اليقين. تتأرجح الأسواق بين التضخم المرتفع وتقلبات النمو، وسط محاولات البنوك المركزية الكبرى لتحقيق التوازن. في الولايات المتحدة لا يزال الفيدرالي الأمريكي يواجه تحدي ضبط التضخم دون التأثير سلبًا على النمو، بينما في الصين تتراجع معدلات النمو، وفي الأسواق الناشئة تتزايد الضغوط المالية نتيجة التقلبات العالمية. في هذا السياق، يأتي قرار البنك المركزي الأوروبي بخفض الفائدة، ليضيف متغيرًا جديدًا إلى المعادلة الاقتصادية العالمية، ويثير تساؤلات حول ما إذا كان القرار خطوة ضرورية أم مقامرة محفوفة بالمخاطر.
في ظل هذه الظروف أعلن البنك المركزي الأوروبي خفض سعر الفائدة إلى 2%. ورغم أن القرار لم يكن مفاجئًا، فإنه يحمل تأثيرات معقدة على الأسواق. فقد انخفض معدل التضخم في منطقة اليورو من 3.4% في يناير إلى 1.9% في مايو، ما منح المركزي الأوروبي هامشًا لتحفيز النمو. لكن تبعات هذه السياسة تمتد خارج حدود القارة، من تآكل العوائد المصرفية إلى تدفق الاستثمارات نحو أصول مرتفعة المخاطر.
ولم يقتصر الأثر على أوروبا وحدها، بل طال الأسواق الخليجية والعالمية. ففي الخليج تراقب البنوك المركزية بحذر تطورات السياسة النقدية الأوروبية، إذ إن خفض الفائدة قد يجعل المنطقة أكثر جذبًا للاستثمارات الباحثة عن عوائد مرتفعة، ما ينعكس على التدفقات نحو المصارف والعقار والأسهم. ورغم الإيجابيات يفرض هذا تحديات تتعلق بإدارة السيولة وتعديل أسعار الفائدة المحلية للحفاظ على الاستقرار المالي.
وسط مشهد اقتصادي عالمي يزداد تعقيدًا أكدت رئيسة البنك المركزي الأوروبي كريستين لاغارد أن القرار استند إلى تقييم معمق للوضع، وأشارت إلى أن استقرار التضخم عند 2% منح البنك مرونة للتحرّك دون خلق ضغوط تضخمية جديدة. إلا أن التساؤلات تبقى قائمة حول جدوى هذه السياسة في تحفيز النمو دون زعزعة الأسواق.
في هذا السياق، يرى الخبير الاقتصادي مايكل فيلد أن الخطوة ستمنح الأسواق دفعة إيجابية، خصوصًا في ظل تراجع ثقة المستثمرين مؤخرًا. ويعتبر أن هذا الخفض قد يكون نقطة تحول في أداء الأسهم الأوروبية، خاصة في القطاعات الحيوية كالتكنولوجيا والصناعة، حيث تُسهم كلفة التمويل المنخفضة في تسريع التوسع.
في المقابل يتبنى روبرت هولزمان، عضو مجلس إدارة البنك المركزي الأوروبي، موقفًا أكثر تحفظًا. فهو يرى أن التخفيضات الإضافية يجب أن تكون حذرة ومدروسة، إذ قد يؤدي الإفراط في التيسير النقدي إلى زعزعة الاستقرار المالي. كما لمّح إلى إمكانية وقف هذه السياسة ما لم تظهر بوادر تدهور اقتصادي إضافي.
أما بنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي، فيراقب التطورات عن كثب. فمع توجه أوروبا نحو الفائدة المنخفضة، قد يُجبر الفيدرالي على مراجعة استراتيجيته، ما قد يفتح الباب لتحولات أوسع على مستوى السياسات النقدية العالمية، وتأثيرات غير متوقعة في الأسواق.
وفي خضم هذه التحولات، يمكن تصور ثلاثة سيناريوهات للمستقبل. الأول: نمو تدريجي مدعوم باستقرار التضخم وتحسن النشاط الاقتصادي، يعزز الاستثمارات ويعيد الثقة للأسواق. الثاني: تقلبات مالية بفعل تدفق السيولة نحو الأصول عالية المخاطر، مما قد يهدد استقرار أسواق الأسهم والسندات. أما الثالث، فهو احتمال دخول الاقتصاد الأوروبي في مرحلة ركود، حين لا يكفي خفض الفائدة لإنعاش النمو، ويُضطر البنك الأوروبي إلى إعادة تقييم سياساته كليًا.
قد لا تكون الإجابات واضحة الآن، لكن الأيام المقبلة وحدها ستكشف ما إذا كانت أوروبا تخطو نحو استقرار جديد… أم أنها فتحت الباب لمرحلة من الاضطراب العالمي.