قلق دول الخليج بشأن تأثير تصاعد التوترات بين إسرائيل وإيران على أمن المنطقة

قلق دول الخليج بشأن تأثير تصاعد التوترات بين إسرائيل وإيران على أمن المنطقة

دبي- (أ ف ب) – أثارت الضربات الإسرائيلية على مواقع نووية وعسكرية في مدن إيرانية عدة، موجة إدانات غير مسبوقة في دول الخليج، عكست تحوّلا في أولويات دول المنطقة التي باتت ترى في التصعيد بين طهران وتل أبيب تهديدا مباشرا لمصالحها، وفق محللين.
وتقول الباحثة في معهد “تشاتام هاوس” البريطاني صنم وكيل لوكالة فرانس برس إن دول الخليج “تواجه مخاطر حقيقية ويجب أن تلعب أوراقها بحذر”، مشيرة الى أن إضعاف الجمهورية الإسلامية التي كانت هذه الدول العربية على خلاف معها منذ فترة طويلة، ليس بالضرورة أمرا مزعجا بالنسبة إليها.
ففي وقت كانت دول مثل السعودية والإمارات وقطر تستثمر في الدبلوماسية للتقارب مع إيران ضمن المنظومة الإقليمية، جاءت الضربات الإسرائيلية غير المسبوقة لتقوّض تلك المساعي وتضع المنطقة على حافة مواجهة مفتوحة.
وكانت سلطنة عمان التي تضطلع بدور الوسيط في المحادثات بين طهران وواشنطن بشأن الملف النووي، أول من علّق على الهجمات التي طالت منشأة لتخصيب اليورانيوم وأدت إلى استشهاد عدد من كبار القادة العسكريين الإيرانيين، قبل أن تتوالى المواقف من السعودية والإمارات وقطر والكويت والبحرين التي شهدت احتجاجات محدودة في إحدى القرى الشيعية في شمال شرق البلاد تضامنا مع إيران.
ورغم الخصومة الطويلة التي طبعت علاقتها مع طهران، وصفت الرياض الهجوم الإسرائيلي بأنه “عدوان” ضد “دولة شقيقة”، واعتبرته “انتهاكا صارخا للقانون الدولي”.
يقول كريم بيطار الباحث في معهد العلوم السياسية في باريس، إن “دول الخليج باتت تدرك أن هذه الهجمات قد تقوّض مصالحها الاقتصادية وتزعزع استقرار المنطقة بأكملها”.
وفي ظل تهديدات إيران بالرد، أجرى وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان، اتصالا بنظيره الإيراني عباس عراقجي، مؤكدا “ضرورة اعتماد الحوار لمعالجة الخلافات”.
ويوضح بيطار أن هذا الموقف يمثل “تحولا ملحوظا مقارنة بما كانت عليه المنطقة قبل نحو عشر سنوات، حين كانت السعودية تحضّ الولايات المتحدة على ضرب إيران”.
وعلى مدى سنوات، كانت العلاقات بين إيران والسعودية شديدة التوتر، ووقف الخصمان الإقليميان على طرفي نقيض في ملفات إقليمية، من سوريا إلى اليمن.
وقطعت الرياض علاقاتها الدبلوماسية مع طهران في العام 2016، قبل أن تُستأنف في 2023 بوساطة صينية.
ويعكس هذا التقارب، بحسب محللين، نهج التهدئة الذي يتبناه ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، ضمن مشروع إصلاح شامل يهدف إلى تحويل المملكة اقتصاديا واجتماعيا.
يقول الخبير في شؤون الشرق الأوسط أندرياس كريغ إن السعودية ودولا خليجية أخرى “استثمرت جهودا كبيرة في سبيل بناء مقاربة إقليمية تشمل إدماج إيران”، مشيرا إلى الدعم الخليجي للمساعي العُمانية منذ نيسان/أبريل للتوصل إلى تفاهم بشأن الملف النووي.
– خطوات أوسع؟ –
ويرتبط هذا النهج بحسابات اقتصادية، لكنه ينبع أيضا من هشاشة أمنية تشعر بها دول الخليج إزاء إيران والجماعات المرتبطة بها في المنطقة، وعلى رأسها الحوثيون في اليمن الذين سبق أن شنوا هجمات بطائرات مسيرة وصواريخ على السعودية والإمارات.
ويجد الخليجيون أنفسهم أيضا أمام معادلة معقدة: الحفاظ على التهدئة من جهة، وتفادي الانجرار إلى نزاع لا يرغبون في أن يكونوا جزءا منه من جهة أخرى، خصوصا مع وجود قواعد عسكرية أميركية على أراضيهم قد تتحوّل إلى أهداف محتملة في حال تصاعد الصراع.
وترى وكيل في منشور عبر صفحة “تشاتام هاوس” على إكس أنه “من غير المرجح أن تستهدف إيران منشآت أو أصولا في الخليج حاليا، لكن إذا استمر التصعيد، فقد تلجأ إلى خطوات أوسع على الصعيد الإقليمي”.
وتضيف أنه “حتى إن حاولت إدارة ترامب النأي بنفسها عن العملية الإسرائيلية، فإنها وضعت خطا أحمر من خلال التحذير بأن أي هجوم على القوات أو المنشآت الأميركية سيقابل برد مباشر”.
وبحسب موقع “أكسيوس”، كان قادة الخليج قد أعربوا خلال زيارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب الأخيرة للمنطقة عن رفضهم لضربات إسرائيلية ضد إيران، داعين إلى حل دبلوماسي للملف النووي.
ويقول كريغ إن هؤلاء القادة “كانوا يأملون أن ينجح ترامب في كبح اندفاع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو نحو التصعيد”، وأن يدفع باتجاه مقاربة سياسية.
ويرى بيطار في الضربات الإسرائيلية محاولة واضحة لـ”تقويض” هذه الجهود التفاوضية، وأن السؤال الأساسي اليوم هو كيف سترد الولايات المتحدة؟
ويتساءل “هل ستواصل دعمها المطلق لإسرائيل أم تحاول إعادة إحياء المسار الدبلوماسي والتوصل إلى اتفاق جديد؟” مع الجمهورية الإسلامية.