الصناعة المغربية في مجال السيارات تبرز بقوة وتثير مخاوف الاتحاد الأوروبي

كسرت الدينامية المتسارعة لصناعة السيارات في المغرب توقعات كثير من الخبراء وأطلقت جرس إنذار داخل أوروبا، حيث بدأت الأرقام تشير إلى تحولات جذرية في موازين الإنتاج والتكلفة في واحدة من أكثر القطاعات حساسية على المستوى العالمي.
وفقًا لتقرير حديث نشرته صحيفة “إلديباتي” الإسبانية، بدأ الاتحاد الأوروبي بالفعل في اتخاذ إجراءات لحماية صناعاته المحلية من ما وصفته بـ”الزحف المغربي”، الذي بات منافسًا قويًا لدول أوروبية تقليدية مثل إسبانيا وفرنسا خلال العامين الأخيرين.
وتؤكد الأرقام صحة هذا القلق الأوروبي، حيث أظهر عام 2024 تراجعًا بنسبة 3% في إنتاج السيارات بإسبانيا ليصل إلى 2.37 مليون وحدة، في مقابل نمو ملحوظ بنسبة 16% في المغرب مقارنة بعام 2023.
وهذا النمو لا يعكس فقط توسعًا طبيعيًا، بل يشير إلى تحول المغرب من دور داعم في الصناعة إلى لاعب مستقل وقوي في السوق العالمية.
وأبرز تقرير صادر عن شركة أوليفر وايمان للاستشارات الصناعية والمالية، أن المغرب يتصدر قائمة الدول ذات التكلفة الأقل في إنتاج السيارات على مستوى العالم.
حيث لا تتجاوز تكلفة اليد العاملة لإنتاج سيارة واحدة في المغرب 106 دولارات، مقارنة بـ273 دولارًا في رومانيا، و305 دولارات في المكسيك، و414 دولارًا في تركيا، و597 دولارًا في الصين.
هذه الميزة التنافسية جذبت العديد من المصنعين، خصوصًا الفرنسيين، لنقل خطوط إنتاجهم إلى المغرب، مستفيدين من موقعه الجغرافي الاستراتيجي، وبنيته التحتية المتطورة، واستقرار سلسلة التوريد، وحداثة المصانع، بالإضافة إلى مرونة التشريعات البيئية وتنافسية أسعار الطاقة.
تشير البيانات إلى أن المغرب سجل نموًا بنسبة 29% في إنتاج السيارات بين 2019 و2024، بينما شهدت دول صناعية كبرى مثل فرنسا وألمانيا وإيطاليا تراجعًا في نفس الفترة، مما يعزز فرضية تحوّل مركز صناعة السيارات تدريجيًا نحو الجنوب.
ويعود نجاح المغرب ليس فقط إلى انخفاض تكاليف الأجور، بل أيضًا إلى ارتفاع معدلات الإنتاجية، تبسيط التصاميم الهندسية، تقليص ساعات العمل، واعتماد نماذج إنتاج متوسطة وبسيطة تقلل من تكلفة التصنيع، حيث تشكل الأجور ما بين 65% و70% من تكلفة الإنتاج.
على الجانب الآخر، تواجه أوروبا تحديات كبيرة، منها تراجع الطلب على السيارات الكهربائية، وارتفاع تكاليف الطاقة والإنتاج، بالإضافة إلى تصاعد الحواجز التجارية العالمية، ما يزيد من ضعف صناعتها التقليدية.
ويشير التقرير الإسباني إلى أن دور المغرب في الصناعة الفرنسية أصبح اليوم يشبه دور المكسيك في صناعة السيارات الأميركية، وهو واقع اقتصادي جديد يتطلب من أوروبا إعادة النظر في شراكاتها الصناعية واستراتيجيات إنتاجها.