قوافل التسلل تحت شعار المشروع الإخواني الماكر

قوافل التسلل تحت شعار المشروع الإخواني الماكر

 

إبراهيم مجاهد صلاح – اليمن

في الوقت الذي ينزف فيه أهل غزة تحت وطأة الحصار والعدوان، وتتصاعد فيه صرخات المستضعفين طلباً للنجدة، تتسلل على هامش المشهد أصوات ترفع شعار “الإنسانية” وتدّعي الوقوف مع القضية الفلسطينية، بينما تحمل في طياتها نوايا أبعد ما تكون عن البراءة. فهناك من يرى في دماء الغزيين فرصة سانحة لتسجيل نقاط سياسية، لا لرفع المعاناة

لم يعد خافياً على أحد أن بعض المبادرات التي تظهر فجأة تحت غطاء “كسر الحصار” لا تنطلق من دوافع إنسانية بقدر ما تحركها حسابات تنظيمية، وتحمل على ظهرها أجندات تتجاوز حدود فلسطين. وما تُسمى بـ”قافلة الصمود” ليست استثناءً، بل مثال واضح على هذا النهج الملتبس.

هذه القافلة التي أرادت دخول غزة عبر معبر رفح، رفضت التنسيق مع الجهات المصرية المسؤولة، وأصرّت على أن تُدار من شخصيات وتنظيمات ذات تاريخ في استهداف الدولة المصرية، متجاهلة أبسط مقتضيات السيادة والأمن. وهنا يصبح السؤال مشروعاً ،هل الهدف هو إيصال المساعدات، أم فرض أمر واقع سياسي يخدم تيارات معينة ويهدد الأمن القومي المصري؟

لقد سقط القناع عن خطاب “الإنسانية” و”الحرية”، وظهر المشروع الإخواني على حقيقته مشروع لتفتيت الأمة، يستخدمون فيه القضايا العاطفية والحساسة، كذريعة لتمرير أجندات تصب في مصلحة العدو الصهيوني

وليس غريباً أن نسمع تحرك القافلة بعد تهديدات من تنظيم القاعدة بتنفيذ عمليات داخل مصر “رداً” على ما يصفونه بـ”حصار غزة” وهي تعبيرات تُفتح على تأويلات لا تخفى على أحد بإن تنظيم القاعدة هو جزءاً لا يتجزاء من التنظيم الإخواني المصنوع امريكاً

في ظل هذا التوقيت الحساس إقليمياً، خاصة مع اقتراب مصر من إيران وتصاعد توترات دولية، يبدو أن استهداف مصر من البوابة الفلسطينية محاولة لإرباك الموقف المصري وإظهاره بمظهر المعطّل لنصرة غزة، بينما الحقيقة أن مصر كانت وستظل إحدى أبرز الداعمين للقطاع، لا بالشعارات، بل بالإمدادات والاحتضان.

المفارقة المحزنة أن هذه القافلة تأتي في الوقت الذي يلتزم فيه إعلام هذه الجهات صمتاً مريباً تجاه الجرائم الإسرائيلية في سوريا، بل يتجاهل التصريحات العلنية لقادة الجماعات المسلحة هناك التي لا تخفي استعدادها للتطبيع مع الاحتلال، بينما يُشن الهجوم على مصر لمجرد إصرارها على ضبط حدودها

كيف يمكن أن نأخذ هذه القوافل على محمل الجدية، والمُحركين لها لم يحركوا ساكناً تجاه علاقات تركيا وقطر الاقتصادية العميقة مع إسرائيل، لو كان في نواياهم صدق، لبدأوا من هناك. أما أن يُترك العدو الحقيقي جانباً، ويُسلط الضوء على الجيش المصري، فهذه ليست نصرة لفلسطين بل طعنة في خاصرة الأمة.

ولذلك من الطبيعي أن تتعالى أصوات التحذير من هذه القافلة، لا من باب التخوين، بل من منطلق الحذر السياسي والوطني. السيد عبد الملك الحوثي، على سبيل المثال، أطلق تحذيراً واضحاً من محاولات استهداف الجيش المصري، معتبراً أن إضعافه هدف استراتيجي لقوى تسعى لتفتيت المنطقة بالكامل، بعد أن فشلت في إسقاط مصر من الداخل.

ولا يمكن إغفال أن اليمن، رغم الحرب والحصار، وقف إلى جانب فلسطين بالفعل لا بالقول، وقدّم الشهداء في وجه العدوان الإسرائيلي، دون أن يسعى لاستغلال ذلك في إثارة الفوضى على حدود دول أخرى. هذا هو الفارق الجوهري بين من يرى في فلسطين قضية، ومن يتخذها وسيلة للوصول إلى غاية أخرى.

الجيش المصري لا يمثل مصر وحدها، بل هو ركيزة من ركائز الأمن العربي. ومن يحاول تقويضه، سواء بالشعارات أو بالتحركات “الإنسانية” المبطّنة، إنما يمهد الطريق لمزيد من الفوضى التي لا تخدم سوى أعداء الأمة، وعلى رأسهم الكيان الإسرائيلي.

إن نصرة فلسطين لا تعني خرق سيادة الدول، ولا تستدعي الاصطفاف خلف جهات مشبوهة. فلسطين تحتاج إلى دعم صادق، يبدأ من مواجهة العدو الحقيقي، لا من محاولات ضرب الحصون العربية المتبقية. وأي محاولة لتحويل غزة إلى ساحة لتصفية الحسابات مع مصر، ليست إلا خيانة جديدة تُرتكب بحق الشعب الفلسطيني قبل أن تكون مؤامرة على القاهرة.

ظهرت المقالة قوافل التسلل تحت راية المشروع الإخواني الخبيث أولاً على جريدة الصوت المصرية.