عندما لا تقع أحداث

عندما لا تقع أحداث

بقلم د. خالد السلامي

في لحظةٍ لا شيء فيها يحدث، قد يكون كلُّ شيءٍ في الداخل يتحرّك.
ليس الصخب هو ما يصنع الحكاية، ولا الامتلاء الظاهري هو ما يدلّ على الحياة. هناك لحظات، تقف على حافة الزمن، لا تمتلئ بشيءٍ سوى نفسها. لا صوت. لا اندفاع. فقط سكونٌ يتنفّس على مهل، كأنّه ينتظر شيئًا لا يريد أن يأتي بسرعة.
الزمن الحديث لا يعرف الرحمة بالبُطء. كلّ شيء يُقاس، يُضغط، يُختصر. السرعة لم تعد وسيلة… بل أصبحت غاية. الأخبار تتوالى كطلقات، القرارات تُتخذ بلا تردّد، والعلاقات تمرّ كعناوين فرعية لا تمنح نفسها فرصة التمهّل. أصبح الصمت يُربك، والتأخر يُقلق، والبُطء يُفسّر على أنّه خلل. لكن، من قال إن ما لا يتسارع يفقد قيمته؟
البُطء ليس دائمًا تأخّرًا… أحيانًا هو وعيٌ لا يريد أن يُقاطع نفسه. هو عينٌ تأخذ وقتها لتتأمل مشهدًا لم يُكتمل، أو قلبٌ لا يقفز إلى الاستنتاجات. البُطء قد يكون احترامًا للصيرورة، منحًا للأشياء أن تُنضج نفسها دون استعجال. كما تنضج الفكرة في عقلٍ صامت، أو كما ينمو البرعم في أرضٍ لم تُحرث كثيرًا.
ثمّة أمور لا تُرى في السرعة. لا يظهر ظلّ الأشياء إلا حين يهدأ الضوء. لا تُفهم الكلمة حتى يصمت الصدى. لا نلمح المشاعر الحقيقية في الحديث السريع، بل في التردّد، في الفراغ بين الجمل، في ما لم يُقل بعد.
هناك بطء لا يتعلق بالحركة، بل بطريقة العيش. أن تُبطئ لا يعني أن تتوقّف، بل أن تُخفّف اندفاعك نحو النتيجة، أن تُمهل نفسك قليلاً لتشعر بما يحدث دون أن تفسّره فورًا. أن تُبقي احتمال التراجع قائمًا، أو تعطي لحظة الحيرة حقّها في أن تكون.
حين لا يحدث شيء، تحدث أشياء خفيّة: تتراكم ملامح الأيام على الوجوه، يتسلّل صوت قديم إلى الرأس، تُعاد صياغة جملة سابقة بنغمة مختلفة. نحن لا نحتاج دائمًا إلى حدثٍ جديد، بل إلى فراغ نضع فيه أنفسنا… بلا ضغط.
وفي النهاية، ليس كلُّ بطءٍ هروبًا، وليس كلُّ انتظارٍ فراغًا. أحيانًا، تكون أعمق التحوّلات صامتة. تمشي على أطرافها، ولا تطرق الباب.
وكأنّ العالم، حين لا يحدث فيه شيء، يتهيّأ لشيء أكبر لا يحتاج أن يُعلن عن نفسه.
ربما نراه… وربما نمرّ عليه دون أن ننتبه.

ظهرت المقالة “حين لا يحدث شيء” أولاً على جريدة الصوت المصرية.