مصر… ثبات في عصر الاستسلام

مصر… ثبات في عصر الاستسلام

 
بقلم: أشرف ماهر ضلع

في زمنٍ تتهاوى فيه بعض الأوطان تحت وطأة الانكسار، وتلوذ أخرى بمقاعد المتفرّجين، تقف مصر شامخة كهرمٍ يعرف جيدًا قيمة التاريخ ووزن الجغرافيا، تؤمن بأن الكبرياء لا يُشترى، وأن الدور لا يُمنَح بل يُنتزع انتزاعًا من بين أنياب التحالفات ومخالب الغدر.

تتأمّل خارطة العرب اليوم، فتراها مشوّشة، مقلوبة، فيها من الانبطاح أكثر مما فيها من الثبات، ومن التواطؤ أكثر مما فيها من الحكمة، ومن اللهاث وراء رضى البيت الأبيض أكثر مما فيها من رضى الشعوب. هناك من يضع توقيعه عند عتبة واشنطن، وهناك من يوقّع على صكوك الصمت، وهناك فقط… مصر، تقرأ الموقف من أعلى، ولا تنحني إلا لربّها.

رئيس الدولة… رجل في زمن قلّ فيه الرجال

الرئيس عبد الفتاح السيسي، الذي لا يُشبه في صموده كثيرين، يخوض معركتين في آنٍ واحد: معركة بناء الداخل، ومعركة الحفاظ على كرامة القرار المصري في الخارج. وبين التحديات الاقتصادية والضغوط الدولية، لا يزال يمسك بالخيط المتين، يوازن بين الحزم والحنكة، ويضع أمن مصر وفلسطين على قدم المساواة، لا بمنطق التجاوز، بل بمنطق الجوار، والدم، والمصير المشترك.

منذ اندلاع الأزمة الأخيرة في غزة، ومصر تقف حيث يجب أن تقف: في خط المواجهة الأمامي، لا خلف الأبواب المغلقة ولا في صالات الاجتماعات الفندقية. مصر تفتح معابرها، وتغلق على خنوع الآخرين، ترسل قوافلها وتبني المستشفيات الميدانية، وتدفع بمبادراتها السياسية حين تخبو شموع العقل في العواصم الأخرى.

غزة… الجرح العربي المكشوف

أي عارٍ ذلك الذي يجعل من بعض العواصم تطبع مع الكيان المحتل علنًا، بينما يمنع عن غزة الهواء والماء والدواء؟! بينما يُكتب اسم مصر بأحرف من نور على عربات الإغاثة، ويُسجَّل صدى صوتها في كل محاولة لوقف نزيف الدم الفلسطيني.

ليس من باب الشفقة تتحرك مصر، بل من باب المسؤولية التاريخية والإنسانية والسياسية. غزة ليست عبئًا على مصر، بل أمانة، تعرف مصر أنها لا تُباع، ولا يُساوَم عليها، ولا تُختصر في هدنات مهينة ولا شعارات زائفة.

مصر.. بين العزلة المؤقتة والريادة الدائمة

نعم، قد تبدو مصر أحيانًا وحيدة في موقفها الصلب، لكن الوحدة هنا تُشبه عزلة الأنبياء في مواسم التخاذل. فحين يتنازل العرب عن دورهم، ويبيعون أوراقهم بعواصم القرار الغربي، تختار مصر أن تكتب موقفها بالحبر لا بالرماد.

وقد قالها السيسي بوضوح: “لن نسمح بأن يتم تهجير الفلسطينيين، ولن نكون طرفًا في مؤامرة الصمت”. كلمة لا تحتاج إلى ترجمة، ولا إلى تبرير.

الختام.. مصر باقية ما بقيت الكرامة

في النهاية، لا تُقاس الدول بعدد حلفائها، بل بعدد المرات التي رفضت فيها أن تنكسر. ومصر، بحكومتها وشعبها، برئيسها وجيشها، لا تزال تُقاوم فكرة التفكك العربي بالثبات، وتواجه موجات الابتزاز الدولي بالعقل، وتخوض معاركها بلا مواربة، في زمنٍ صار فيه الصمت هو الرد الرسمي لأغلب الحكام.

تحية إلى مصر… الأم والوطن والموقف، وتحية لرئيسها الذي لم يخذل شعبه، ولم يساوم على شرف الموقف، في زمنٍ صار فيه الصمت بطولة زائفة، والوضوح جريمة نادرة.

ظهرت المقالة مصر… صمود في زمن الانبطاح أولاً على جريدة الصوت المصرية.