قسد ومتطلبات المرحلة الحالية

قسد ومتطلبات المرحلة الحالية

المستشار – أسعد محمود الهفل

إنّ ما صرّح به المبعوث الأمريكي الخاص إلى سوريا توم برّاك، الأسبوع الماضي، بأنّ هناك طريقاً واحداً أمام قسد، أو ما يسمّى قوات سوريا الديمقراطية «P.K.K»، وهو الطريق إلى دمشق، وأن الفيدرالية لا تعمل في سوريا، ليس مفاجئاً لكثير من المتابعين؛ حيث سبقته تصريحات من الجانب الأمريكي عديدة منذ فوز ترامب ووصوله إلى سدة الحكم في الولايات المتحدة الأمريكية، وهذا يتماشى مع رؤيته لمنطقة الشرق الأوسط؛ حيث تقوم سياسة الإدارة الامريكية الحالية اتجاه المنطقة على استقطاب تركيا كنقطة ارتكاز في الصراع الدولي الجاري بين الغرب، وعلى رأسه أمريكا من جهة، والصين وروسيا من جهة أخرى.
إن محاولات قسد، التي يسيطر على قراراتها حزب العمال الكردستاني «P.K.K»، المدرج على قوائم الإرهاب الدولي، استغلال الصراع الإقليمي لاستمرار مصادرة قرار المكون الكردي في سوريا، وزعزعة الاستقرار في المنطقة لإقامة دولة على ما يُطلق عليه، بخلاف الحقيقة والواقع، “إقليم كردستان سوريا”، متجاهلةً حقيقةً واضحة لا يمكن تغييرها باستخدام القوة وهي أن الإخوة الكرد في تلك المنطقة (منطقة شرق الفرات) لا يشكلون نسبة الأكثرية قياساً بالمكونات الأخرى، وخاصة المكون العربي، الذي يشكّل الأكثرية المطلقة، والذي لم يقبل منذ سيطرة قسد على المنطقة بالقوّة بهذه السيطرة، وقد اتخذ هذا الرفض أشكالاً كثيرة كان آخرها ثورة العشائر العربية في شرق الفرات، التي استطاعت تحرير معظم المنطقة قبل تدخل التحالف الدولي؛ إن محاولة قسد الـ «P.K.K» هذه إضافة إلى إسقاط الحالة العراقية على الوضع السوري، هي قياس خاطئ بالمطلق، فلا يمكن مقارنة تجربة إقليم كردستان العراق بوضع الإخوة الكرد في سوريا؛ فهي تجربة تختلف بشكلٍ مطلقٍ، سواء من حيث العامل الديمغرافي؛ حيث يشكّل الإخوة الكرد في شمال العراق نسبة الأكثرية، أم من حيث الجغرافيا؛ حيث هناك إقليم متصل تشكّلَ بفعل الطبيعة الجغرافية هناك.
إنّ ما صرح به المبعوث الأمريكي إلى سوريا (توم برّاك) يؤكد المؤكّد في أنّ مصلحة المكون الكردي في سوريا، وجميع المكونات الأخرى بأطيافها كافةً الإثنية والمذهبية، تكمن في إقامة دولة تستوعب الجميع، وتقوم على العدالة والمساواة بينهم من دون إقصاء لأحد.
لقد دفع الشعب السوري أثماناً باهظة لإسقاط النظام البائد، وإنّ الصراع على سوريا بين القوى الإقليمية والدولية كان وراء استمرار الحرب قرابة أربع عشرة سنة، وعلى الإخوة الكرد الاستفادة من هذه اللحظة التاريخية الدقيقة بالانخراط مع أبناء الشعب السوري كافةً لبناء سوريا الجديدة التي تقوم على العدالة والمساواة، وخاصةً أنهم كان لهم دور كبير في بناء الدولة الوطنية مع إخوانهم السوريين كافة بعد الاستقلال من الاستعمار الفرنسي الذي عرفته سوريا في بناء نظام وطني ديمقراطي قبل الشروع في نظام الانقلابات العسكرية بتشجيع من القوى الاستعمارية، التي كانت تنظر إلى التجربة السورية بوصفها تهديداً لمصالحها؛ فقد وصل في تلك المرحلة ثلاثة رؤساء لسوريا من المكون الكردي.
وكان واضحاً منذ البداية أن صناعة قسد تمت لتحقيق أهداف لا تمتّ بصلة إلى مصالح المكون الكردي، وأنّه تم توظيفها بعيداً عن الحقوق المشروعة لهم في إقامة نظام ديمقراطي يكفل حقوق جميع السوريين، وهو الضمانة لوحدة سوريا.
إن المرحلة التي تمر بها سوريا تتطلب أخذ العبر من الفترة التي سبقت سقوط النظام، فإنّ أي استقواء بالخارج لتحقيق مصالح شخصية مصيره الفشل؛ حيث مصالح القوى الإقليمية والدولية تتبدّل وتتبدّل معها مواقف تلك القوى؛ وما جرى في سوريا خلال الأربع عشرة سنة السابقة لسقوط النظام البائد خيرُ دليل على ذلك؛ حيث وجدنا أكثر القوى الداعمة للثورة السورية تغيّر مواقفها بشكلٍ لا تخطئه العين.
أمام السوريين فرصة تاريخية لم تكون موجودة منذ تحررهم من الاستعمار الفرنسي لبناء دولتهم الجديدة على أساس وطني يقوم على وحدة التراب والشعب قبل أيّ شيء، وتحقيق المساواة والعدالة بينهم قبل مراعاة أيّ قوى إقليمية أو دولية، وعلى الإخوة الكرد المشاركة فيها من دون أي استقواء بالخارج.

ظهرت المقالة قسد واستحقاقات المرحلة أولاً على جريدة الصوت المصرية.