الجزء الأول: العلامة المفقودة

يقدمها لكم في حلقات متسلسلة /سيف محمد كامل
الضوء الأزرق الباهت كان يتسرب عبر نوافذ القبة الزجاجية للمحطة، ضوء شاحب لا يضيء شيئًا حقًا، مجرد تذكير بأن الكون خارج هذه الجدران فارغٌ وميت الأضواء الصناعية في السقف تومض بين الحين والآخر، كأنها تنازع للبقاء مستيقظة في هذا الليل الدائم.
على شاشة الهولوغرام الرئيسية، ظهر الخط الأحمر فجأة، مقطعًا ومتشنجًا:
*”الاتصال بالأرض: مقطوع. آخر إشارة واردة: منذ ٧٢ ساعة.”*
د. إلياس فرانك ضغط على صدغيه حتى آلمتهما أصابعه الباردة ترتجف قليلًا “هذا غير منطقي… حتى لو تعطلت كل الأقمار الصناعية، كان يجب أن تصلنا إشارة طوارئ عبر القنوات الاحتياطية.”
كابتن لينا مراد وقفت أمام النافذة، ظهرها المشدود يحجب جزءًا من الفراغ الأسود الذي يبتلع كل شيء خارج المحطة “ربما انفجار في محطة الريلاي أو ربما…” توقفت، كما لو أن إكمال الجملة سيجعل الكارثة حقيقة.
في الزاوية، كان ريكاردو فوينتس يحك ذراعه بعنف، كأنه يحاول اقتلاع شيءٍ يتسلل تحت جلده “هل سمعتم ذلك؟” همس بصوتٍ أجش.
الصمت كان ثقيلًا، ممتلئًا فقط بطنين الأجهزة التي تعمل بصبر.
ثم…
*الطنين.*
صوت منخفض تخلل الجدران، كأن المحطة بأكملها تتنهد تحت ثقل شيءٍ غير مرئي.
د. إلياس أدار عينيه نحو شاشة الاستشعار الكمومي الخطوط الخضراء التي كانت مستقيمة منذ سنوات بدأت فجأة في التموج، كأنها تسجل شيئًا لا يستطيع الجهاز فهمه “هذا مستحيل…” قال وهو يضغط على الشاشة حتى كادت تنكسر.
“الزمكان هنا مستقر تمامًا، لا يوجد شيء يمكن أن يسبب هذه الذبذبات.”
لينا اقتربت منه، عيناها الضيقتان تلتقطان كل تفصيل في البيانات “ماذا لو كان الخطأ في الجهاز نفسه؟”
“الأجهزة لا تكذب.” رد إلياس وهو يلتقط سماعة الاتصال الداخلي “أيها الطاقم، نريد فحصًا كاملًا لأنظمة المحطة الآن.”
لكن قبل أن يرد أحد، سمعوا صوتًا.
*طرقعة.*
مثل عظام تنكسر في مكان بعيد داخل المحطة.
ريكاردو كان قد اختفى من مكانه على الأرض، بقعة داكنة من سائل لزج، لم يكن دمًا، بل شيءٌ أكثر سمكًا، أكثر سوادًا.
لينا أخرجت مسدس البلازما من حزامها. “لم نكن وحدنا هنا أبدًا، أليس كذلك؟”
الضوء الأزرق خارج النافذة خفت فجأة، كما لو أن شيئًا كبيرًا قد مر بين المحطة والنجوم.
في غرفة التحكم، بدأت الشاشات تعرض صورًا مشوهة لقطات من داخل المحطة نفسها، لكن من زوايا غير موجودة في إحداها، ظل طويل يقف خلف ريكاردو بينما كان يحك ذراعه.
في الأخرى، صورة واضحة لد إلياس وهو يصرخ، لكن التاريخ المسجل كان *غدًا*.
الأضواء انطفأت
الطنين ازداد
وأول صوت صرخة انطلق في الظلام كان صوت ريكاردو، ينادي باسم لا يعرفه أحد:
*”أورثوس…”*
ثم سكت
يتبع…..